رئيس التحرير
عصام كامل

فلسفة الفراخ

قبل أيام كنت في أحد المطاعم، لأتناول وجبة الغداء، وحين طلبت ربع فرخة مشوية مع الأرز والخضار، سألني الجرسون: ورك ولا صدر؟ قبل أن أفتح فمي مجيبا الجرسون، سرحت قليلا في معنى السؤال.. نعم، سرحت، وفكرت.. ومن المؤكد أن هذا السؤال طُرح عليك مئات المرات بدايةً من والدتك حين كنت صغيرا، مرورًا بزوجتك. وليس انتهاءً بالجرسون.

 

فهل يا عزيزي سألت نفسك عن مغزى السؤال وفلسفته، أم رأيته كما يراه الملايين من الناس حول العالم، مجرد سؤال روتيني لمعرفة أي الأجزاء من الفرخة تفضله أنت! في الحقيقة وفي الواقع، وبعيدا عن أن البحر كله قواقع، فأنه ليس مجرد سؤال عشوائي، فأمك مثلًا لن تمانع إذا قلت لها أنك تريد الورك والصدر وذلك من باب المحبة وكذلك ستفعل زوجتك، وحتى البائع لن يرفض طلبك ما دمت ستدفع الحساب.

فلسفة الاختيار 

 

وهنا أعود وأسأل: إذًا لماذا هذا السؤال؟ وإن لم تكن لديك إجابة، أقولك أنا: تكمن فلسفة السؤال في أنه كاشف بدرجة كبيرة لمكنونات شخصيتك، فمسألة أن يكون بإمكانك الاختيار منذ الطفولة ترسخ فكرة أعظم وهي أنك في حياتك بشكل عام ستتعرض للكثير من الخيارات والمواقف التي يجب عليك أن تختار فيها بين أمرين أو أكثر.. وربما يبقى سؤال الدجاجة ورك ولا صدر؟ أفضل تدريب على ذلك، وهو ما سيعود عليك بالنفع مستقبلا..

 

وكذلك ربما ينم اختيارك عن طبيعة شخصيتك، فمثلًا من يفضلون الورك هم أشخاص يفضلون مواجهة صعاب الحياة التي يمكن الإشارة إليها بـ (عظم الورك) من أجل الفوز بملذات الحياة (الطعم الأفضل) حتى ولو كان ذلك على حساب الكمية (لحم الورك أقل من لحم الصدر).. إذًا، من يختار الورك هو شخص يهتم بالكيف على حساب الكم.

 

بينما هؤلاء الذين يفضلون الصدر، فهم بلا شك يتجنبون الوقوع في المشاكل (لحم بلا عظم).. مع كمية أكبر من اللحم.. وهو ما يعني بالتبعية أن هؤلاء الذين يفضلون صدر الفرخة يهتمون بالكم على حساب الكيف.. وهنا نحن لسنا بصدد تقييم وتقويم الناس من خلال معرفة خياراتهم، بقدر كوننا نبحث في عقولهم لفهم طبيعتهم..

 

يا عزيزي ما بين الورك والصدر، هناك مجموعة من البشر –أحسبها ليست بالقليلة– لا تهتم للأمر، وحين تسألهم عن تفضيلاتهم يجيبونك (أي حاجة). ودعني أقولك -يا عزيزي- بالفم المليان إن هؤلاء هم أكثر من يواجه المشاكل في حياتهم، فكثير -إن لم يكن كل- الذين لا يرهقون أنفسهم بالاختيار، أو هؤلاء القانعين دومًا، نقول كثير منهم أو كلهم يعانون بدرجة ما في حياتهم جراء تلك المسالمة، التي لا تشي إلا بكونهم أناس يحلمون بالبعد عن المشاكل والصراعات، حتى ولو كلفهم ذلك التنازل عن حقهم في الاختيار.

 

وعلى ما سبق، فإن واقع الأمر يقول إن الحياة لا تخلو من الصراع والمشاكل، مهما حاولنا تجنب ذلك، والمنطق يقول إنه بدلًا من البحث عن حياة خالية من المشاكل، لابد وأن تتسلح بالقدرة والمرونة على تجاوز الأمور والتعامل معها.. وأخيرا، هل أنت جاهز لخوض غمار الحياة وأنت تعلم جيدًا أي الأجزاء -ورك ولا صدر- تفضل؟ إن كانت لديك إجابة فقط فأنت في وضع جيد، لكن إذا كنت تملك إجابة وسبب لاختيارك وتفضيلك هذا فأنت في وضع أفضل بكثير من مجرد جيد.

الجريدة الرسمية