رئيس التحرير
عصام كامل

هواية الفرص الضائعة


أكثر ما يجمع بين أي ديكتاتور وآخر هو الفرص الضائعة، ورغم أن التاريخ القريب والبعيد يحكي لنا دائما كيف كانت نهاية الديكتاتور على غير ما يتوقع، إلا أن ديكتاتورا واحدا في التاريخ لم يتعظ، عادة يكون كل ما حول الديكتاتور من أجهزة نمورا من ورق، ما إن تحتد المعركة بينه وبين شعبه حتي يتركونه، ولم يتحقق لديكتاتور ثار عليه شعبه خروجا طبيعيا من الحياة إلا في حالات نادرة، أهمها تجربة الاتحاد السوفييتي حيث استطاع ديكتاتور مثل ستالين أن يموت والكل راض عليه، أو هكذا كان يتصور هو ولا يتصور أنه سيأتي يوم يعيدون النظر فيه، ولم يكن ذلك بعيدا. كان مع الديكتاتور التالي له خروشوف! لقد ساعد ستالين أن فكرة الشيوعية نفسها كانت قد تملكت الأغلبية من الشعب بعد ثورة كبيرة وساعده أيضا قيام الحرب العالمية الثانية التي انتهت بانتصار الاتحاد السوفييتي مع الحلفاء على المحور، كذلك حدث مع عبدالناصر الذي تميز بديكتاتورية تحقق رغبات الشعب الاجتماعية والاقتصادية، كما أنه عمل على إذكاء روح الثورة في البلاد من حوله وروح القوة في المصريين رغم أن سجونه كانت مفتوحة لكل من يخالفه في الرأى، تتفاوت النهايات حقا لكن في النهاية التاريخ يدين الجميع أحياءً وأموات، وفي الفترة الأخيرة شاهدنا نهاية أكثر من ديكتاتور على يد شعبه في المنطقة العربية، زين العابدين بن على وحسني مبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح، نهايات كلها اشتركت فى الخروج القسري من الحكم حيا أو ميتا، وليس ذلك بالتاريخ البعيد حتي ينسي، لا ينساه إلا ديكتاتور آخر مثل بشار الذي تأخر في الانصياع لطلبات الثورة فانفتح بابها للإرهاب والإرهابيين، وسواء نجحوا أم فشلوا ستكون نهايته، لكن أن يحدث ذلك في مصر مرة أخري وعن طريق صناديق الاقتراع فهذه هى المفاجأة المرة.. ليس لأنه جاء عن طريق الصناديق فما أكثر الصناديق التي أتت بحكام انقلبوا على من انتخبوهم.. لكن لأن الصناديق جاءت بسبب ثورة لم تنطفئ شعلتها بعد، هي ثورة 25 يناير.. لم يكن مدهشا سعي الدكتور مرسي الحثيث لسمت الديكتاتور باعتباره رجلا إخوانيا يؤمن بما تؤمن به الجماعة من أنه لا يوجد خارجها من يستحق الحياة كما يستحقها الأهل والعشيرة. هكذا تفكر الطوائف الدينية التي تعمل بالسياسة، ولا تتنازل عن تفكيرها هذا حتى تخرج من التاريخ وتتحول إلى ذكري وما يتبقي منها يصير أقرب إلى الفولكلور. حكايات ومجموعات قليلة منعزلة. الذي كان مدهشا حقا أن الدكتور مرسي ورؤساء الجماعة الكبار لم يفهموا أنه إذا كانت الطوائف الدينية السياسية حكمت يوما في التاريخ ففرصتها الآن أقل بحكم التطور التكنولوجي في الميديا الذي يجعل الشفافية اضطرارا. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، أنه تعاون مع الدولة العميقة التي تركها مبارك خلفه متصورا أنها ستنسي تاريخ الجماعة الانقلابي وستأمن لها وأنها فقدت ذكاءها الذي يجعلها تدرك أنها مع مرسي لا تزيد عن أداة لقمع الثورة التي حملته إلى الحكم وسرعان ما سينقلب عليها. لم يدرك مرسي أن تاريخ الجماعة لا تنساه الدولة العميقة لمبارك بسهولة. وإذا كانت الثورة نسيته بحكم كونها من شباب بريء لم يمارس السياسة من قبل فهذا لا ينطبق على الدولة العميقة لمبارك. والأهم أنه، مرسي وجماعته، عادت فور وصوله إلى الحكم لفكرتها القديمة عن الشباب أنهم شوية عيال، رغم أنهم صانعوا الثورة. كانت أمام مرسي فرص كثيرة لكنه ضيعها كلها وتسبب فيما نحن فيه الآن ويقولون انقلابا ويدافعون عنه وهو الرجل الذي لم يفهم ما حوله ولم يصدق مع من حوله ولم ير كيف خرج من حوله إلى الشوارع !!

وهكذا ضيع مرسي أكثر من غيره كل الفرص التي كانت ممكنة له بالبقاء، لم يكن أسهل من أن يعلن انتخابات مبكرة تقديرا لشعب خرج إلى الشوارع بهذه الكثافة، لكنه راهن على الشرطة والجيش التي يتهمها بالانقلاب الآن. كانت ستكون حلوة لو ضربت في الشعب ! لم يفهم أي شيء حتي إنه ذهب إلى دار الحرس الجمهوري بنفسه وأعلن ذلك للشعب كأنه يباهيه به أو يغيظه بأن الجيش معه. إلى هذا الحد لم يفهم رغم التحذيرات السابقة الكثيرة من الجيش أنه سيكون مع الشعب.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
نقلا عن جريدة فيتو الأسبوعية
الجريدة الرسمية