رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة تنقلب على رئيسها

تتم  إزاحة الحكام عادة  بخروج الناس إلى الشوارع، يطالبون الحاكم بالرحيل، ولا يبرحون خنادقهم وخيامهم ومسيراتهم حتى يخضع وينزل عن الحكم، وربما هنالك طرق أخرى دموية نعرفها جميعا، فتتم الإزاحة بالتآمر أو بالغدر، لكن ما يحدث في بريطانيا منذ ٩٦ساعة، بصفة عامة ويحدث لرئيس حكومتها بالذات، هو  أمر خارج عن المألوف، فالمطالبة بإزاحة بوريس جونسون لم تأت من الشارع، ومن من أركان جيش المملكة، ولا نصبت له قوى متأخرة كمينا، بل جاء التمرد من داخل صفوف حكومته، بل ومن داخل صفوف حزب المحافظين. 


حتى كتابة هذه السطور اليوم، صباحا، لم يقدم  بوريس جونسون استقالته، وبات الإعلام العالمى كله على تصريحاته التي أعلن فيها تمسكه بالبقاء في منصبه وفق التفويض النيابي الملزم له من الناخبين، لكن استيقظ العالم اليوم على تبدل مطلق في موقفه، وهو الإعلان عن اعتزامه الاستقالة. بات عنيدا رافضا وصحا مطيعا خانعا! 


هذا التبدل في المواقف، والتقلب بين الآراء، واعتماد الكذب في حالات يبرر بها مواقف سابقة سرعان ما تنفضح فيعود ويؤكد أنه لم يكن يعرف، هو مجمل الشخصية التي تحكم بريطانيا. والحق أن بوريس جونسون شكلا ومضمونا يشبه إلى حد بعيد مثيله الأمريكي دونالد ترامب، فهو النسخة البريطانية من الرئيس الأمريكي الذي قاد الغوغاء للهجوم علي الكونجرس رفضا لفوز العجوز الذاهل حاليا جو بايدن، في السادس من يناير العام قبل الماضي !

استقالات بالجملة


السؤال: لماذا تمرد 52 وزيرا ومسئولا من حكومته وحزبه ونواب الحزب في مجلس العموم على رجل اختاروه واختارهم، ومعظم الوزراء المستقيلين هم من أقرب الناس إليه؟ استقالوا لأنهم فقدوا الثقة فيه ولايمكن العمل مع رجل لا يلتزم بالمعايير والانضباط.
 

وحتى ناظم الزهاوي العراقي الأصل الذي عينه بوريس جونسون وزيرا للمالية وافتخر الرجل بأنه هاجر صبيا وانتهى وزيرا في دولة ديمقراطية سرعان ما قدم استقالته أمس الأربعاء، وتراجع عن تصريحاته الداعمة ل بوريس جونسون! لماذا يستقيلون؟ لأنهم لا يريدونه. ولماذا لا يريدونه؟ لأنهم لا يصدقون كلامه ولا يثقون فيه. ولماذا لا يثقون فيه؟ لأنه تستر علي مستشار مقرب منه له تاريخ مثلي مشين عينه منذ وقت  قريب، فلما واجهوه بافعال صديقه المستشار وهى مشينة، قبل عشر سنوات قال بوريس جونسون لم أكن أعلم، ثم تبين لمنتقديه أنه كان يعلم أن مستشاره يمارس التحرش بالذكور، وفعل ذلك في ناد خاص بالرجال. إذ لامس رجلين!


في نظرهم هو إذن لم يقل الحقيقة، وإخفاء الحقيقة تغييب للثقة المفترضة فيمن يقود البلاد. لا يعرف أحد لماذا يضيع رئيس الحكومة البريطانية منصبه ويسيئ إلى مكانته وسمعته إن لم يكن هناك رابط في العلاقة بين الرجلين. الجموح سلوك مرتبط بشخصية بوريس جونسون، حتى وقت ان كان وزيرا للخارجية ٢٠١٦-٢٠١٨، وكانت مشاجراته مع عشيقته في شقته تنتهي غالبا باستدعاء الجيران للشرطة البريطانية يشكون من عدم قدرتهم علي النوم والراحة من شدة المشاجرات بين الرجل وحبيبته!

 

قرر بوريس جونسون إذن الاستقالة وخضع، وهنالك ترشيحات من داخل حزب المحافظين الذي تتآكل شعبيته، لكن خروج بوريس جونسون من السلطة هو خروج نصف القوة الداعمة لجو بايدن في البيت الأبيض، وخبر سعيد لبوتين، وخبر تعيس لزلينسكي رئس أوكرانيا المستعمل في حرب الغرب علي موسكو.

 


لن يقع تغيير جوهرى بخروج بوريس جونسون، فالموقف البريطاني موقف مؤسسات، لكن انحسار الجموح قد يمنح مساحةً للحسابات، والاستماع إلى صرخات المواطن البريطاني الذي يئن من التضخم وانفلات الأسعار وغياب السلع. هل يكون العالم مساء اليوم بلا بوريس جونسون؟ 
نتابع ونعرف

الجريدة الرسمية