رئيس التحرير
عصام كامل

مدرسة الشاذلي (4).. ابن عطاء.. حكيم الصوفية

الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري هو أحد أهم أركَان الطريقة الشاذلية التي أرسى دعائمها الشيخ أبو الحسن الشاذلي 1248 وتلاه خَلِيفتُه أبو العبَاس المرسي 1287. هو الإمام تاج الدين أبو الفضل أحمد ابن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله. المالكي مذهبًا، الإسكندري دارًا، الصوفي حقيقة، الشاذلي طريقة، الجذامي نسبًا (نسبة إلى قبيلة جذام العربية). 

 

فهو إذن عربي الأصل مصري الموطن، وفد أجداده إلى مصر واستوطنوا الإسكندرية بعد الفتح العربي الإسلامي، وبهذا فإنه يمثل التصوف المصري في القرن السابع الهجري. نشأ طالبًا للعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وأصول، وللعلوم العربية من نحو ولغة وبيان، وفي هذه المرحلة أنكر الصوفية إنكارًا شديدًا، تعصبًا للفقهاء.

 

وفي المرحلة الثانية صحب أبا العباس المرسي، وتصوف على طريقة الشاذلي، بعد أن زال إنكاره للتصوف، وتعصبه لأهل علم الظاهر، ولم ينقطع في هذا الطور عن طلب العلوم الشرعية، بعد معرفته أن صحبة الصوفية لا تعني التجرد وترك الاشتغال بالعلم، أو بأي أمر دنيوي آخر يُقْصَدُ به وجه الله تعالى.

 

 وبدأت المرحلة الثالثة من رحلته من الإسكندرية ليقيم في القاهرة، وهو طور نضوجه واكتماله من الناحيتين الفقهية والتصوفية والإفادة منهما، عن طريق التدريس والوعظ.

 

مفتي المذهبين 

 

ورث ابن عطاء الله علم شيخه أبي العباس المرسي، وصار القائم على طريقة شيخه، والداعي لها من بعده، وكان قبل وفاة المرسي قد درَّس، الفقه في مدينة الاسكندرية. وعند إقامته في القاهرة اشتغل بالتدريس والوعظ في الجامع الأزهر الشريف، وشهد له العلماء بالفضل وغزارة المعرفة وعمقها، فقد شهد له شيخه أبو العباس المرسي قائلًا: "الزم، فوالله لئن لزمت لتكوننَّ مفتيًا في المذهبين".. يريد مذهب أهل الشريعة (أهل علم الظاهر)، ومذهب أهل الحقيقة (أهل علم الباطن).

 

وشهد له الإمام الذهبي فقال فيه: "كان ابن عطاء الله يتكلم بالجامع الأزهر.. فوق كرسي بكلام يروِّح النفس، ويمزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم، وكانت له جلالة عجيبة، ووقعٌ في النفوس، ومشاركة في الفضائل". وفيه كثير من الشهادات تظهر كلها سمو مكانته العلمية، وصدقه وإخلاصه واستقامة منهجه.

 

مشيخة الطريقة الشاذلية

 

كان ابن عطاء الله الذي آلت إليه زعامة الطريقة الشاذلية بعد انتقال شيخه أبي العباس المرسي معاصرًا لابن تيمية (661-728هـ) المعادي للصوفية، فكان من الطبيعي أن تقوم خصومة متبادلة بينهما. 

ويشير ابن حجر العسقلاني إلى أن نقد ابن تيمية للشاذلي وطريقته لاقتا ردًا عنيفًا من ابن عطاء الله، وكتب في ذلك "لطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن"، ردًا على ابن تيمية الذي هاجم أبا العباس المرسي وأبا الحسن الشاذلي.

 

يذكر بروكلمان أن ابن عطاء الله كان يحذر مريديه من الإصغاء إلى أعداء الصوفية الآخذين بعلم الظاهر، ويحضهم على الفرار منهم فرارهم من الأسد، وكان يقصد ابن عطاء الله بأتباع علم الظاهر الإمام ابن تيمية ومن نحا نحوه.

 

وفاة ابن عطاء الله

 

انتقل الإمام ابن عطاء الله السكندري إلى رحمة مولاه، بالمدرسة المنصورية في القاهرة سنة 709 هـ، حيث شيع جثمانه في جنازة مهيبة حافلة، ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها. ولا يزال قَبره مَوجودًا إلى الآن بجبانة سيدي على أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِ. من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث. وقد أقيم على قبره مسجد في عام 1973. 

من أعماله ومؤلفاته: الحكم العطائية.. لطائف المنن.. مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح".

 

من أقواله:

-  ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.

-  من مدحك فإنما مدح مواهب الله عندك.. فالفضل لمن منحك لا لمن مدحك.

 - ربما فتح لك باب الطاعة وما يفتح لك باب القبول، وربما قضى عليك الذنب فكان سببا في الوصول، فرب معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا.

-  لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله تعالى، فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه.

- ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء.

الجريدة الرسمية