رئيس التحرير
عصام كامل

الدولار الجمركي ورفع الأسعار المستمر

في مناقشة منذ أسبوع مع بعض طلاب كلية التجارة حول مستقبل التضخم في مصر في الفترة القليلة القادمة، توقع بعضهم أن الإجراءات المالية التي اتخذها البنك المركزي في الفترة الماضية مثل عدم الاعتداد بأي دولار يحضره المستورد للبنك وليس له سند قوي؛ بمعنى أن المستورد الذي يحصل على الدولارات من السوق السوداء أو حتى شركات الصرافة لن يقبل منه، وعليه أن يعتمد على الدولار من داخل البنك إذا أراد ان يستورد أي سلعة، فهذا الإجراء من شأنه أن يحجم السوق السوداء، وأن يدفع حائزي الدولارات للتخلص منها؛ لأنه لم يعد لها سوق..

 

وبالتالي يزيد المعروض من الدولار فيقل قيمته؛ مما ينعكس على الأسعار بصورة عامة بالثبات وليس الانخفاض، كما جاءت إجراءات وزارة المالية بأن من يريد أن يستورد شيئا عليه إخبار البنك بذلك والبنك سيقوم بتعيين قيمة الشيء والتعاون مع المصدر حتى يحصل على حقه بعد  التوريد الخ من إجراءات..

 

توقع بعض الطلاب أن هذه الإجراءات ستكون دافعا لانخفاض التضخم، ولكن كان لي رأي مخالف لهم، إذ ذكرت لهم أنني أظن أن الفترة القادمة ستشهد ارتفاعا في التضخم رغم هذه الإجراءات، وكان مبرري القوي أن الإجراءات المالية لا يمكن أبدا أن تظل معينا لدفع الاقتصاد للإمام، وبالتالي تراجع موجة التضخم، وإنما هي إجراءات المفترض أن تكون مؤقتة يأتي معها في الأساس الاهتمام بالصناعة والزراعة من أجل سد عجز فجوة الاستيراد الضخمة مع إمكانية التصدير، وبذلك نستطيع أن نحجم من الإقبال على الدولار بل نستطيع أن نزيد من الداخل من الدولار من خلال التصدير، وفي هذه الحالة فقط تتراجع الموجة التضخمية التي تعني زيادة الأسعار.

 

وها هي الأيام القليلة بعد تلك المناقشة تثبت صحة وجهة نظري، فقد طالعنا الموقع الرسمي لمصلحة الضرائب بأن وزارة المالية قد رفعت سعر الدولار الجمركي للشهر الثاني على التوالي إلى 18.64 جنيه في يونيو الجاري بدلا من 17 جنيهًا في مايو الماضي. وهذا لا يعني سوى زيادة معدلات التضخم، فمن المتوقع ارتفاع أسعار السلع المستوردة بالأسواق خلال الفترة المقبلة بنسبة قد تصل إلى 10%، وذلك بعد زيادة الدولار الجمركي خلال شهر يونيو الجاري. 

 

التضخم والدولار الجمركي

 

ومن المعروف أن الدولار الجمركي هو مصطلح اقتصادي، يعبر عن سعر الدولار أمام الجنيه الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة من أجل حساب الرسوم الجمركية بناءً عليه. فمن الطبيعي ارتفاع سعر الدولار الجمركي نظرًا لارتفاع سعر صرف الدولار في البنوك، وحتى لا يتحمل أحد الفارق بين السعرين. 

 

وطبعا موجة التضخم المتوقعة سبقتها موجات يعاني الموطن ويئن تحت وطأتها للآن، فقد ارتفعت معدلات التضخم في مصر خلال الشهور الأخيرة لمستويات هي الأعلى منذ سنوات، حيث واصل معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية صعوده للشهر الخامس على التوالي خلال أبريل الماضي ليسجل 14.9% مقابل 12.1% في مارس، بحسب ما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في بيان سابق الشهر الماضي. 

 

وسجل معدل التضخم السنوي في المدن ارتفاعًا إلى 13.1% في أبريل مقابل 10.5% في مارس الماضي. ويتجاوز معدل التضخم السنوي في المدن بذلك النطاق المستهدف الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% (بزيادة أو نقصان 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.


 ويحاول البنك المركزي إتخاذ إجراءات مالية للسيطرة على التضخم كما سبق أن أشار بعض طلاب التجارة لي، ومن آخر هذه الإجراءات ما أعلنه البنك المركزي يوم الخميس 19 مايو الماضي عن رفع أسعار الفائدة 2% دفعة واحدة لتصل إلى 11.25% للإيداع، و12.25% للإقراض. لكن ذلك لن يمنع موجة التضخم الجديدة فالمتوقع أن يستمر معدل التضخم في الارتفاع مع تأثير زيادة الدولار الجمركي، ليصل خلال شهري يوليو وأغسطس إلى ما بين 17 و18%. 

 

ويرى بعض المحللين الاقتصاديين -وإن كنت لأرى ذلك- أن تلك موجة التضخم المصاحبة لرفع سعر الدولار الجمركي ستأخذ بعد ذلك طريقها للهبوط، حيث يرى هؤلاء أن قرار رفع سعر الدولار الجمركي قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى ضبط الأسعار وتراجع معدلات التضخم؛ لأن ارتفاع أسعار السلع المستوردة بسبب زيادة سعر الدولار الجمركي ستؤدي إلى تراجع الطلب عليها، وهو ما قد يدفع الأسعار للانخفاض بعد ذلك. 

 

 

وسبب عدم رؤيتي لتراجع الموجة أن الأسعار مع ارتفاعها وخاصة في مصر لا يمكن أن تعاود الهبوط أبدا، فالسوق المصرية في حقيقتها لا تقوم على العرض والطلب كما هي في العالم، وإنما تقوم على جشع التجار والمستوردين، فإذا وجد التاجر فرصة لرفع الأسعار بسبب ارتفاع الدولار الجمركي مثلا فإنه في حالة خفض هذا الدولار لن يخفض من الأسعار بسبب الجشع، وعدم الرقابة على الاسواق، بل واقتدائه في ذلك بالحكومة نفسها التي تتسابق في رفع كل خدماتها على المواطن البسيط بصورة جنونية دون أي مبرر سوى الجشع وجمع الأموال.

الجريدة الرسمية