رئيس التحرير
عصام كامل

عبد القادر شهيب يروي تفاصيل الساعات الأخيرة في حكم "المعزول"..."السيسي" رفض طلبًا أمريكيًا بتجميد مهلة الـ ٤٨ ساعة.. بديع والشاطر طلبا من "باترسون" الضغط على الجيش حتى لا يستجيب للشعب


"لا إقصاء للإخوان ولكن لا ضمانات لهم تحميهم من الملاحقة القانونية على ما ارتكبوه من جرائم، خاصة جرائم العنف والتحريض عليه".. كان هذا هو رد الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري على "تشاك هاجل" وزير الدفاع الأمريكي الذي طلب في اتصال تليفوني الإفراج عن قادة الإخوان الذين تم توقيفهم بمعرفة النيابة ووقف أي إجراءات أمنية بحقهم، مع إنهاء التحفظ على الرئيس السابق محمد مرسي.


وذات الرد تلقاه الوسطاء الذين تطوعوا للتوصل إلى اتفاق بين المؤسسة العسكرية والإخوان، أو الذين أوعز إليهم قادة الإخوان للتوسط من أجل الحصول على ضمانات وحصانات خاصة تحميهم من المساءلة القانونية.. ولذلك لم تجد واشنطن أمام رفض المؤسسة العسكرية لطلباتها الخاصة بمنح الإخوان حماية من المساءلة القانونية سوي المجاهرة علنا بهذه الطلبات، فخرجت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لتنضم الخارجية الأمريكية في طلبها الخاص بإنهاء التحفظ المفروض على الرئيس السابق والإفراج عن قادة الإخوان الذين تم إلقاء القبض عليهم بناء على طلب النيابة للتحقيق معهم في جرائم متهمين بارتكابها.


وهكذا بدا واضحا أن واشنطن لا تكتفي بموقف المراقب فقط، مما يحدث في مصر كما ادعت على لسان متحدثين رسميين فيها حتي يتسني لها دراسة هذه الأحداث قبل أن تتخذ موقفا تجاهها.. وإنما واشنطن تشتبك وبشكل مباشر وساخر مع هذه الأحداث وتتدخل بشكل فج في الشئون الداخلية المصرية.. بل أنها لم تلتزم بتقاليدها التي كانت تحرص عليها من قبل بممارسة هذا التدخل في الشئون المصرية سرا أو بشكل مستفز خلف الكاميرا وبعيدا عن الميكرفونات وعيون الصحفيين، مثلما فعلت منذ تنحي مبارك وحتي قبيل عزل مرسي.


أمريكا وحماية حكم "الإخوان"..

لقد جاهرت أمريكا بتدخلها في الشئون الداخلية المصرية، أو جاهرت بأنها تعمل طوال الوقت منذ يوليو ٢٠١٢ على حماية حكم الإخوان في مواجهة رفض شعبي مصري واسع له.. وحتي بعد أن فقد الإخوان هذا الحكم عندما ثار الشعب المصري عليهم استمرت أمريكا في التدخل من أجل حماية الإخوان كجماعة أو تنظيم يعمل في مصر ودول أخري والاحتفاظ لها بدورها السياسي في مصر، وكقادة بتأمينهم من المساءلة القانونية، وكرئيس لتوفير خروج آمن لهم.. وقد سبق ذلك كله تدخل أمريكي معلنا من خلال مساعده الإخوان على الوصول للحكم، سواء بتحفيز السيناتور "كيري" في ديسمبر ٢٠١١ الإخوان على التقديم بمرشح الانتخابات الرئاسة المصرية، أو بممارسة الضغوط على المجلس العسكري في يونيو ٢٠١٢ للإسراع بإعلان فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية.. وهكذا لا تخفي أمريكا محاولاتها لإنقاذ مرسي وإخوانه منذ وقت مبكر.. إنقاذه وهو رئيس وإنقاذه الآن وهو معزول من منصب رئيس الجمهورية.


فمنذ أن بدأ الرئيس مرسي يواجه المشاكل ويهتز مقعده الرئاسي تحته والأمريكان يبذلون الجهد لتثبيته في الحكم.. وركز الأمريكان وقتها جل اهتمامهم لتهدئة قوي المعارضة التي بدأت تتصاعد مع بداية العام الحالي ٢٠١٣ في مواجهة مرسي على أثر إصداره إعلانا دستوريا جديدا منح فيه نفسه سلطات مطلقة وحصانة لقرارته من الطعن أمام القضاء، وإنهاء كل القضايا المقامة على أية قرارات أصدرها منذ أن تولي منصب رئيس الجمهورية في أول يوليو ٢٠١٢.. وقد استخدمت واشنطن كل ما في جعبتها لممارسة الضغوط على المعارضة وتحديدا جبهة الإنقاذ التي تشكلت من إضراب المعارضة الرئيسية في مصر حتي لا ترفع سقف مطالبها إلى المطالبة بعزل مرسي ونزع الشرعية عنه، والاكتفاء فقط بمطالبة مرسي وإخوانه بالقيام ببعض الإصلاحات.

"الإنقاذ" وصفقات الساعات الأخيرة مع "المعزول"..

وتفاوضت واشنطن مع قادة جبهة الإنقاذ من أجل الاتفاق مع مرسي وإخوانه على تشكيل حكومة جديدة تحل محل حكومة د.هشام قنديل التي لم تلق أي قبول من الرأي العام منذ اللحظة الأولي لتشكيلها، وحظيت باعتراضات متزايدة مع مرور الأيام، نتيجة لإخفاقها في كل قضايا العمل الداخلي.. وكلفت واشنطن وقتها مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوربي السيدة آشتون للتفاوض النهائي مع قادة جبهة الإنقاذ على تشكيل حكومة مصرية جديدة يقبلون بها هم والرئيس السابق مرسي وإخوانه، وقد توصلت آشتون بالفعل إلى شبه اتفاق في هذا الصدد حينما رشح لها قادة جبهة الإنقاذ ثلاثة أسماء لتولي رئاسة الحكومة الجديدة هم البرادعي، والجنزوري وحسام عيسي، وغادرت مصر بعد أن تصورت أن مهمتها قد كللت بالنجاح، لكن الرئيس وإخوانه تراجعوا عن هذا الاتفاق ولم ينفذوه بعد أن أبدوا موافقتهم عليه.

ورغم أن ذلك ضايق واشنطن إلا أنها لم تتوقف عن محاولاتها لإنقاذ مرسي هو وإخوانه وحماية حكمهم من السقوط، لأنها وجدت في سقوطه ضررا لها وإحراجا للإدارة الأمريكية التي راهنت بالكامل على هذا الحكم لتنفيذ خططها الخاصة بترتيب أوضاع منطقة الشرق الأوسط في إطار ما يسمي بالشرق الأوسط الجديد.

وقد كثفت واشنطن جهودها ومحاولاتها هذه عندما تبين لها من خلال تقارير سفيرتها آن باترسون وضباط وعملاء ومخابراتها أن دعوة حملة تمرد لسحب الثقة من الرئيس السابق مرسي والدعوة لانتخابات رئاسية جديدة تلقي قبولا واسعا من المواطنين المصريين، وأن استمرار هذه الدعوة بات يشكل خطرا على حكم الإخوان وقد يقضي في نهاية المطاف إما إلى إنهاء هذا الحكم أو إصابته بالشلل والعجز.

لذلك اهتمت واشنطن في هذا الوقت، أي خلال شهري مايو ويونيو ٢٠١٣، بإقناع مرسي وإخوانه بضرورة تقديم سيل تنازلات للمعارضة بغية التوصل إلى اتفاق معها يسهم في تهدئة غضب الرأي العام، وإحباط خروج جماهيري كان متوقعا ومنتظرا يوم ٣٠ يونيو، وإن لم يكن متوقعا أن يكون بهذه الضخامة الأسطورية.. التي حدث بها فعليا.

وكانت أهم التنازلات التي طالبت واشنطن مرسي بها وقتها تتمثل مع تشكيل حكومة جديدة، تغيير النائب العام، وتعيين نائب عام جديد، والإسراع بتشكيل لجنة لتعديل الدستور الذي لا يرضي المعارضة وترفضه، مع تحديد موعد لإجراء الانتخابات البرلمانية.. لكن مرسي وإخوانه تلكأ في الاستجابة لهذه الطلبات معللا أن المعارضة لن تكتفي بها، وأنه إذا بدأ في تقديم التنازلات قد لا يستطيع التوقف عن تقديم تنازلات أكبر حتي يضطر لتقديم التنازل الأكبر وهو تركه الحكم.

ومع ذلك لم ترفع واشنطن يدها ولم تتوقف محاولاتها لإنقاذ مرسي من السقوط بل استمرت في هذه المحاولات وكثفتها مع اقتراب يوم ٣٠ يونيو، وهو اليوم الموعود والمحدد سلفا طبقا لدعوة حملة تمرد لسحب الثقة من الرئيس السابق.. لكن محاولات واشنطن توجهت إلى قيادة المؤسسة العسكرية، بعد أن اقتنعت بوجهة نظر مرسي وإخوانه أن تقديم تنازلات للمعارضة صار لا يجدي ولن يجعل المعارضة تحيد عن طلبها الخاص بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وحتي لو فعلت لن يستجيب لها رأي عام غاضب يعاني مرارة عام من حكم الإخوان.. فقد كانت واشنطن تريد أن تتأكد أن الجيش لن ينحاز للمطالبين بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وأنه سيلتزم بتنفيذ تعليمات قائده الأعلي وهو الرئيس السابق.


"الشاطر" ولقاءات السفيرة الأمريكية.. 

كانت واشنطن في هذا الصدد تستجيب لطلب من طلبات الإخوان التي عرضها المهندس خيرت الشاطر على السفيرة الأمريكية باترسون حينما التقي بها ليلا في مقر له بمنطقة مدينة نصر، وكررها مرشد جماعة الإخوان د. محمد بديع حينما التقي بها فجرا في مقر الجماعة قبل حرقه بمنطقة المقطم.. والطلب كان ممارسة واشنطن ضغوطا مكثفة على قيادة المؤسسة العسكرية حتي لا تنحاز للعشب وتنخار لمرسي وإخوانه، ورأي الإخوان أن طلبهم هذا أهم من بقية الطلبات الأخري التي عرضوها على واشنطن وكان من بينها السماح لهم باعتقال عدد من قادة جبهة الإنقاذ في مقدمتهم د. البرادعي مع قائمة من الإعلاميين والصحفيين والنشطاء السياسيين، وكان من بينها أيضا الضغط على الدول العربية الخليجية، خاصة الإمارات والسعودية، التي كانوا يتهمونها بأنها تعضد وتساند وتدعم معنويا وماليا حركات الاحتجاج التي لا تتوقف ضدهم في مصر.

ولأن واشنطن كانت مقتنعة أنه لا بديل في مصر لحكم الإخوان، وبالتالي يتعين عليها العمل لحماية هذا الحكم واستمراره، فقد استجابت لطلب قادة الإخوان الخاص بممارسة ضغوط على قيادة المؤسسة العسكرية لتجبرها أن تغير استمالتها إلى جانب مرسي.. ولذلك بدأ وزير الدفاع الأمريكي هاجل يكثف اتصالاته التليفونية مع الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري، وبدأ أيضا الجنرال "تسيمبي" يكثف اتصالاته التليفونية مع رئيس الأركان المصري الفريق صدقي صبحي، وخلال هذه الاتصالات التليفونية حاول كل من وزير الدفاع الأمريكي ورئيس أركان القوات الأمريكية استكشاف نيات القيادة العسكرية المصرية مع التلويح بورقة المساعدات العسكرية حتي تضع هذه القيادة ذلك في اعتبارها وهي تتخذ قرارها.

ورغم أن هذه الاتصالات التليفونية وفرت لواشنطن إلماما كاملا بالقلق الذي يعتري القيادة العسكرية المصرية نتيجة للأوضاع السياسية المتردية في البلاد، إلا أنها لم توفر للإدارة الأمريكية معرفة بنيات قيادة المؤسسة العسكرية المصرية والقرار الذي سوف تتخذه تجاه تطورات الأوضاع في مصر.. فلم يفصح الفريق السيسي ولا الفريق صدقي صبحي عن شيء، اكتفيا فقط بالتعبير عن قلقهما مما يحدث لأنه يشكل خطرا على الأمن القومي المصري، والتعبير عن انزعاجهما لتجاهل طلبات الشعب الخاص بإجراء انتحابات رئاسية مبكرة، ولذلك فقد فوجئت واشنطن بمهلة السبعة أيام التي منحتها القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية للرئيس السابق مرسي حتي يتدبر أمره ويلبي طلب شعبه، فقد جاء هذا البيان واضحا في أن القوات المسلحة لن تظل صامتة، كما قال البيان، أمام انزلاق البلاد في صراع يصعب السيطرة عليه لأن المسئولة الوطنية والأخلاقية لها تجاه شعبها تحتم التدخل لمنع انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلي أو التجريم أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة، فقد كانت هذه هي أول مرة تتحدث فيها قيادة المؤسسة العسكرية المصرية عن عزمها التدخل وأن تدخلها هذا يحكمه إرادة الشعب لأنها لا تستطيع الصمت أمام تخويف وترويع أهالينا المصريين، والموت أشرف من أن يمس أحد شعب مصر في وجود جيشه.

وعلى أثر ذلك دبت الحرارة بشكل مستمر في ضغوط الاتصالات التليفونية بين القيادة العسكرية الأمريكية والقيادات العسكرية المصرية.. وخلت هذه الاتصالات من الكلمات الدبلوماسية وعبارات المجاملات التي كانت تضمنها ما سبقها من اتصالات بين الجانبين.. فقد انزعج الأمريكان من أن تحدد القيادة العامة للقوات المسلحة مهلة لمرسي وإخوانه تدخل في نهايتها إذا لم يفعل شيئا ليستجيب لمطالب شعبه، وأهمها تنحيه عن الحكم.. حلت الكلمات الخشنة محل الكلمات الدبلوماسية الناعمة في هذه الاتصالات التليفونية وذلك لإثناء القوات المسلحة عن القيام بأي شيء اعتزمت القيام به انحيازا للشعب المصري.

"السيسي" يتحدى الإدارة الأمريكية.. 

ووصل الأمر إلى درجة التلويح بأن في مقدور الولايات المتحدة الأمريكية وقف المساعدات العسكرية التي يحصل عليها الجيش المصري منذ بداية الثمانينيات في القرن الماضي وتجاوزت قيمتها حتى الآن الأربعين مليار دولار، الأمر الذي يهدده بتحويل معظم أسلحته إلى خردة غير قابلة للاستعمال بحجب قطع الغيار اللازمة لهذه الأسلحة والمعدات الأمريكية الصنع، وحدث ذلك تحديدا بعد أن تجاهل السيسي وصبحي طلب "هاجل وتسيمبي" بتجميد مهلة الأسبوع، وحينما قامت القيادة العامة للقوات المسلحة بعد الطوفان الشعبي الكاسح في ٣٠ يونيو بمنح الرئيس السابق مرسي وإخوانه مهلة مدتها ٤٨ ساعة فقط، حتي يستجيب لطلب الشعب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإلا ستجد القوات المسلحة المصرية لزاما عليها استنادا لمسئوليتها الوطنية والتاريخية واحتراما لمطالب شعب مصر العظيم أن تعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها بمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية بما فيها الشباب الذي كان ولا يزال مفجر الثورة المجيدة ودون إقصاء أو استبعاد لأحد.

ورغم أن بيان القيادة العامة للقوات المسلحة حرص على أن يؤكد أن القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم إلا أن هذا البيان أثار انزعاج واشنطن لأنه كان يحمل ضمنيا نهاية واضحة لحكم مرسي وإخوانه سيتم إشهارها وإعلانها يوم الثالث من يوليو، وهو ما كانت لا تريد ولا ترغبه، ولذلك سعت بكل ما لديها من وسائل ضغط لمنع حدوثه وكانت أهم ورقة ضغط في يد واشنطن، بالإضافة إلى ورقة المساعدات العسكرية، ورقة عدم الاعتراف بعزل مرسي، لذلك اهتم المسئولون الأمريكيون بحث الإخوان على تمسك مرسي بمنصبه ورفض الاستجابة لطلب الملايين التي خرجت في أكبر وأضخم طوفان بشري على مدى التاريخ الخاص بتنحيه من الحكم.. أي أن عناد مرسي الذي استمر حتي اللحظة الأخيرة هو وقادة جماعته كان بتحريض أمريكي!



لكن في المقابل رفض السيسي ومعه صبحي، كل الضغوط الأمريكية وأكد كل منهما سواء لـ"هاجل" أو "تسيمبي" أن هذا الخروج الشعبي الكبير والضخم ليس في مقدور أي أحد تجاهله، ولابد من الاستجابة لمطالب هذه الملايين التي خرجت للشوارع والملايين تطالب بحكم جديد يرعى مصالحه ويهتم بشئونه ولا يفرض عليه الاستبداد باسم الدين، أو يفرط في أرضه وسيادته وثرواته.. اهتمت القيادة العسكرية المصرية أن تفهم القيادة العسكرية الأمريكية أن طلباتهم هذه بتجاهل إرادة الشعب المصري غير مقبولة، لأنها تعد تدخلا في الشئون المصرية.. وهكذا يمكننا وصف الأحاديث التليفونية بين الجانبين بأنها كانت متوترة.

واشنطن والعحز أمام الثورة المصرية..

وهنا أدركت واشنطن أنها صارت عاجزة عن منع سقوط مرسي وأن كل ما فعلته من أجل حماية حكمه هو وإخوانه ذهب سدى.. لكنها مع ذلك لم تتوقف عن محاولاتها لحمايته هو وبقية قادة جماعة الإخوان المسلمين على أمل أن تظل هذه الجماعة موجودة في الحلبة السياسية ومشاركة في المنافسات السياسية بما يمكنها من خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وبعد أن تم عزل مرسي سعت واشنطن لإقناع القيادة العسكرية بالتراجع عن خريطة المستقبل التي تم الإعلان عنها في الثالث من يوليو والسماح بعودة مرسي ولو ليوم واحد يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تكون بموافقة الإخوان على خريطة مستقبل بديلة، مقابل أن يفض الإخوان اعتصاماتهم ويتوقفون عن حشد أنصارهم ومؤيديهم في الشارع.

لكن ذلك قوبل برفض شديد من قبل القيادة العسكرية المصرية التي ردت أنه لا دور سياسيا لها الآن ودورها يتركز حاليا على تأمين البلاد سواء في مواجهة عنف في الداخل يحرص عليه الإخوان أو إرهاب في سيناء تقوم به جماعات إرهابية لها علاقات مع الإخوان.

لقد بدا هذا الطلب الأمريكي سخيفا للغاية ومثيرا للاستفزاز لأن الذي عزل الرئيس السابق كانت هي جموع الشعب التي خرجت يوم ٣٠ يونيو بالملايين تطالبه بالرحيل وتطالب إخوانه بتقويم أنفسهم والتوبة عما اقترفوه من جرائم في حق بلدهم وأهله.. غير أن الأمريكان كانوا بهذا الطلب يستجيبون لرغبة قيادة الإخوان التي بدأت تتحدث الآن عن أن كل شيء قابل للتفاوض بما فيه ترك مرسي للحكم إذا ما عاد لمنصبه، وأنه إذا عاد سوف يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة وسيعفو عن الذين عزلوه، وكأن الشعب ينتظر عفوه وليس محاسبته.

أوربا تجبر أمريكا على قبول الأمر الواقع.. 

كما أن المواقف الأوربية والعربية أجبرت واشنطن على قبول الأمر الواقع والذي يقول إن حكم مرسي وإخوانه انتهى تماما ولا سبيل لإعادته.. وهكذا خرجت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لتقول في مؤتمر صحفي إن مرسي لم يعد رئيسا لمصر وأن هناك الآن حكومة مؤقتة ومسارا للديمقراطية.. فالاتحاد الأوربي لم ير في عزل مرسي انقلابا عسكريا والدول العربية رأت فيه نتاج ثورة شعبية، وكان أمرا طبيعيا أن يؤثر ذلك في الوقت الأمريكي الظاهر على الأقل لذلك استبدل الأمريكان طلبهم بإعادة مرسي إلى الحكم ليدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة بطلب آخر هو إنهاء التحفظ المفروض على مرسي ووقف ملاحقة قادة جماعة الإخوان المسلمين قانونيا والإفراج عمن تم إلقاء القبض عليهم بمعرفة النيابة بدعوى الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

وهكذا ارتضت واشنطن لنفسها أن تظل حتي الآن متضامنة قلبا وقالبا مع الإخوان حتى وإن كانت لم تبادر بوصف عزل مرسي شعبيا بأنه انقلاب عسكري مثلما يدعي الإخوان الآن.. إنها لا تتوسط فقط بين الإخوان والقيادة المصرية الجديدة ومعها قيادة المؤسسة العسكرية، ولكنها تمارس الضغوط على مصر لتوفير الحماية لمرسي وإخوانه.. أولا لحماية حكمه ثم لحمايته هو شخصيا وحماية جماعته حتى تظل موجودة على الساحة السياسية المصرية وقادرة وقوية وآمنة من أية ملاحقة قانونية على أمل أن تعود هذه الجماعة للحكم مجددا في مصر من خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، خاصة وأن الأمريكان لا يرون في مصر بديلا مناسبا لهم وضامنا لمصالحهم غير حكم الإخوان.. والغريب أن يحدث ذلك من الأمريكان الذين يتشوقون بالحديث عن سيادة القانون، فهم يدعمون جماعة غير قانونية وغير شرعية وفوق ذلك لا تلتزم بالسلمية وتحض على العنف بل وتمارسه أحيانا..
الجريدة الرسمية