رئيس التحرير
عصام كامل

"بطلوع الروح".. توثيق درامي "مشوق" لرحلة هروب امرأة مصرية من الرقة السورية‬

بطلوع الروح
بطلوع الروح

تقدم المخرجة المصرية كاملة أبو ذكرى دراما لقصة حقيقية لمحاولة هروب امرأة وطفلها، من مدينة الرقة السورية، التي سيطر عليها تنظيم داعش مطلع العام 2014 عبر المسلسل الرمضاني ”بطلوع الروح“ المعروض على شاشة ”MBC“.

وتدور أحداث المسلسل المكون من 15 حلقة، حول الفتاة روح (منة شلبي) التي تخضع لعملية ابتزاز من قبل زوجها أكرم، وصديقه عمر، عبر خطف ابنها من أجل إجبارها على السفر من تركيا لسوريا تهريبا، وتحديدا لمدينة الرقة، حيث دولة داعش هناك.
 

تعذيب
 

وتمر روح بتجربة إنسانية قاسية للغاية، خلال تواجدها في مدينة الرقة السورية، حيث مشاهد القتل والعنف والتعذيب والتخوين والإعدام، التي تمارس ضد الأفراد هنالك، والتي تخضع لها أخيرا، بعد محاولتها الهرب من الرقة لتركيا مرة أخرى.

وتستعرض أحداث المسلسل الدائرة في مصر وسوريا وتركيا والعراق، الكثير من الالتقاطات الدرامية المأخوذة من عين الواقع، خاصة الرقة، التي تشتمل على الممارسات الرهيبة للدواعش، وما يتخلل ذلك من التعذيب الوحشي للمدنيين في الميادين العامة، بتهمة الخروج عن الملة والخيانة لدولة داعش، أو السرقة أو الكذب، أو شهادة الزور.


مدينة سوداء


وتستعرض كاميرا المسلسل صورا للمدينة المتشحة بالسواد والمحتلة من قبل الجنود المسلحين، التابعين لداعش، وتنقل الكاميرا تفاصيل موجزة لحياة الناس هناك، إذ يعم اللون الأسود، فتعاليم داعش تمنع النساء من كشف وجوههن، وتمنعهن كذلك من ارتداء الملابس الملونة، وحتى حمل الحقائب الملونة، فذلك قد يكلف المرأة حياتها.

 

وتتضمن دراما أبو ذكرى الكثير من التفاصيل حول ملامح وطبيعة عناصر داعش المدججين بالأسلحة، وقوانين التنظيم المتشددة، وعلى الرغم من قلة عدد الحلقات إلا أنها تمت حياكتها بشكل مهني فني، يضمن للعمل عناصر التشويق والجذب، بما يتضمنه ذلك من مفاجآت درامية، وتقلبات في مسيرة الشخصيات.

 

وتمكنت المخرجة من الإبقاء على الحدث المختلف الجديد، في كل حلقة، إلا أن شخصية أبو روح لم تنل حظها من التأثير الدرامي المنوط بها، إذ تأخر ظهوره لأكثر من أربع حلقات بعد اختطاف ابنته، ولم تركز المخرجة على الجانب الإنساني لشخصيته، إلا بعد تطور شخصية روح في رحلتها القاسية للرقة، ومحاولة الأب تهريب ابنته من هناك.

 

لكن المخرجة عوضت غيابه بمشهد مؤثر، حينما نقل المهرب لصديقه سليم خبر مقتل السائق القائم على عملية التهريب، ومقتل إحدى المرأتين وهروب الأخرى، وهنا جسّد المشهد دور أبوين، كلاهما يرى ابنته تموت وقت التهريب، لكن كل واحد منهما، يبقى على أمل أن تكون ابنته هي الهاربة.

 

سبيّة
 

وقدمت منة شلبي دورا يمتاز بالجرأة والتجريب، إذ تمكنت من إعطاء الشخصية المركبة حقها وكيف تحولت من فتاة وزوجة متحررة في مصر، لامرأة محتجزة بنقابها ولباسها الأسود داخل الدولة الداعشية، بما في ذلك خضوعها للحظات كانت فيها سبية لدى ”عمر“ (أحمد السعدني) صديق زوجها، الذي يمتلك سلطة كبيرة هناك، كأمير للجيش.

ويؤدي السعدني دورا مهما في المسلسل، عبر شخصية عمر، العاشق القديم لروح وصديق زوجها أكرم، الأمير الداعشي الذي ينظم خطة محكمة لسحب روح لحدود الدولة الداعشية، من أجل التخلص من زوجها في مهمة جهادية، حتى تكون روح زوجته، وهي التي سبق أن خذلته حينما طلب الزواج منها وقت الدراسة الجامعية.

تحول عكسي
 

أما شخصية أكرم الزوج التي يجسدها ”محمد حاتم“ فهي الشخصية المهزوزة التائهة، التي تعاني الفراغ والخوف الدائم من الحياة، فتأخذه تعبئة صديقه عمر إلى منطقة سوداوية، من التفكير والطموحات، فبعدما يكون رجلا ناجحا في مجال الإعلانات، يتخلى عن مهنته، للمقاتلة في دولة داعش، وهو ما تسبب في تحويله إلى مجرم لا يتوانى حتى عن اختطاف ابنه من أجل ابتزاز زوجته.

إضاءات
 

ويضيء المسلسل على الكثير من المفارقات في حياة الإنسان العربي، من حيث التكوين الفكري والعقائدي، ومدى قدرة الأيديولوجيا على صناعة سلوك مختلف للإنسان.

وفكرة التحول العكسي لشخصية أكرم الذي صنعته الرؤية الدرامية كفيلة بإيضاح التناقض الصارخ بين سلوكيات شخصية أكرم في أطوارها المختلفة.


كما تبين هذه المفارقات، الانتقال من مساحة الأمان التي عاشها وعائلته، حينما كان شابا معتدلا، إلى مساحة من الحرب والضياع للعائلة، حينما تبنى قناعات داعش.

 

وتظهر الفنانة إلهام شاهين في دور حيوي في المسلسل، رغم عدم ظهورها الكبير، إلا أنها قدمت وبشكل متقن، دورا جديدا عليها، إذ ظهرت بدور منال، المرأة الداعشية، التي تقود جيش النساء. فبدت انفعالاتها، وقوة أدائها، ركيزة من ركائز الشخصية وتطورها الدرامي.

 

ومن التفاصيل اللافتة، ظهور شخصية نور التي يجسدها الفنان والإعلامي اللبناني عادل كرم، إذ يكون نور الإنسان المضحي، وعين الصحافة الجريئة، من خلال كاميراه المخبأة التي ترصد انتهاكات الجنود هناك بحق المدنيين، ويساعد أخيرا في تهريب روح خارج الرقة.

 

الجريدة الرسمية