رئيس التحرير
عصام كامل

مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (16)

في مقالين سابقين، تعرفنا على اثنين من أبرز ضحايا الجهل والإهمال الذي عانت منه مصر، فترات طويلة، في عهود سابقة.. والآن صارت أجساد هؤلاء تداس بالأقدام، وعجلات السيارات، فهي تحت “أسفلت” الشارع، المكتظ بالعشوائيات، ويضيق بتلال القمامة، والقاذورات، والمخلفات، ويالها من مأساة مروعة !!

 

الركن الثالث في الجريمة البشعة التي ارتكبت، من غير إصرار وترصد، وراح ضحيتها أكثر من 14 عالمًأ ورجل دين، ومحدث، وولي صالح، هو ابن خلدون، العالم الشهير، بل أشهر علماء الاجتماع على مستوى العالم، في عصره، والذي لا تزال أكبر جامعات العالم تدرس مناهجه.

وهو عبد الرحمن بن خلدون الذى يتّصل نسبهُ إلى الصحابي وائل بن حجر، الذي قدِم إلى النبي– صلّى الله عليه وسلم- فبسط له رداءه، وأجلسهُ ودعا لهُ.

 

عبقرية إبن خلدون

 

يعد “ابن خلدون” عبقرية عربية متميزة، فقد كان عالمًا موسوعيًا متعدد المعارف والعلوم، وهو رائد مجدد في كثير من العلوم والفنون، فهو المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وإمام ومجدد في علم التاريخ، وأحد رواد فن “الأتوبيوجرافيا” ـ فن الترجمة الذاتية ـ كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث، وأحد فقهاء المالكية المعدودين، ومجدد في مجال الدراسات التربوية، وعلم النفس التربوي والتعليمي، كما كان له إسهامات متميزة في التجديد في أسلوب الكتابة العربية.

 

وُلد ابن خلدون في تونس في شهر رمضان من عام 732هـ، وتوفي سنة 1406 في مصر. وهو عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي، نشأ في أسرة ذات علم وأدب وتقلد أجداده العديد من المناصب الرفيعة الدينية والسياسية إبان الخلافة الإسلامية في الأندلس، وكذلك في مدن شمال أفريقيا حيث تنقل وعاش هو وأسرته.

 

تونس وأشبيلية

كانت عائلة ابن خلدون قد انتقلت من تونس إلى أشبيلية عندما بدأ الإسلام بالدخول إليها، وعندما شارفت على السقوط عادت إلى تونس حيث ولد ابن خلدون، وكان والده كباقي أجداده ذو جاه ومكانة علمية وثقافية، فكان هو أول معلميه.

 

ولكن توفي مع والدته إبان انتشار وباء الطاعون سنة 1348 بالإضافة إلى ثلة من شيوخه ومعلميه الذين فقدهم لذات السبب. حفظ ابن خلدون القرآن الكريم منذ صغره، ودرس علوم اللغة العربية من نحو وصرف وعلم الكلام واللسان على يد كبار المعلمين في تلك الفترة ولازم مجالسهم إلى أن أصبح ذو علم ودراية بلغة قومه. كذلك درس العلوم الشرعية على يد مجموعة من الشيوخ والفقهاء في عصره وتعلم الفقه والحديث والمنطق.

 

وتولى ابن خلدون منذ شبابه العديد من الوظائف، وتنقل بين عدد من المناصب، فشغل وظيفة كاتب لدى أمير تونس ابي إسحاق الحفصي، وأمين سر لدى سلطان مراكش أبي عنان المريني، ثم اتهم لاحقًا بالخيانة للدولة وأودع السجن.

 

أمين سر الدولة

 

بعد خروجه من السجن بمساعدة أحد الوزراء أصبح أمين سر للدولة لدى السلطان أبي سالم، ثم انتقل لاحقًا إلى غرناطة وعمل في البلاط إلى أن أصبح رئيس للوزراء في بجاية، ولكن تعرضت الدولة للغزو وتغير الحكم فقام ابن خلدون بمفاوضة الغازي لتسليم المدينة بمقابل البقاء في الوزارة ونجح في ذلك، إلى أن هرب في وقت لاحق من البلاد عندما لمس تغير الحاكم عليه.

 

انتقل بعد ذلك بين العديد من المناطق والقبائل في شمال أفريقيا ثم عاد إلى الأندلس، ومن ثم عودة إلى مصر حيث عمل كمدرس للفقه المالكي في الأزهر، وعمل كذلك كقاضي هناك لذات المذهب، وعزل لاحقًا بسبب تشدده. وكذلك شارك في الحملة المصرية ضد تيمورلنك في بلاد الشام سنة 1400.

 

 

لابن خلدون العديد من الكتب والمؤلفات التي ما زال تأثيرها حاضرًا إلى اليوم لعل أشهرها مقدمة ابن خلدون والتي يصنف ابن خلدون بناء على ما جاء فيها بأنه مؤسس علم الاجتماع، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى في مجالات عدة مثل التاريخ والحساب والمنطق والحكمة.

ولعل أبرز وأشهر مؤلفات ابن خلدون؛ كتاب “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”، وهو الكتاب الأشهر من بين كل مؤلفات ابن خلدون كونه يحتوي على مقدمته الشهيرة “مقدمة ابن خلدون”، إذ يقع الكتاب في سبعة مجلدات، المقدمة في المجلد الأول وهي القسم الأكبر في الكتاب.

الجريدة الرسمية