رئيس التحرير
عصام كامل

الحب ومنازل المحبة

الحب أسمى ما في الحياة ولا حياة بدونه والحب الحقيقي هو الخالي من الأهواء وحظوظ الأنفس والشهوات، والأصل فيه محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. عبر أحد المحبين عن الحب فقال: كمونه في الحشا ككمون النار في الحجر.. إن قدحته أورى وإن تركته توارى..  إن حال المحبين مع محبوبهم كحال فتية الكهف لم يدروا في كهفهم كم لبثوا.. 

للمحبة مدارج ومنازل ومعارج تبدأ بالميل.. أي يميل قلب المحب للمحبوب.. ثم الهوى أي يهوى المحب المحبوب ويفرح عند رؤيته.. ثم الغرام أي يغرم المحب بالمحبوب من شدة الإعجاب به.  ثم الصبابة أي يتصبب المحب في المحبوب بعد رسوخ الحب في قلبه وتمكنه منه.. ثم الهيام أي يهيم المحب بكليته في المحبوب بكل أحاسيسه ومشاعره.. ثم العشق أي تتخلل المحبة ذرات وزرايا وخلجات وملكات المحب في المحبوب.. ثم الوله أي يلتهف ويهفوا شوقا إلى لقاء المحبوب ورؤياه.. ثم الولع أي يولع المحب بالمحبوب وإكتواء قلبه بنار عشقه.. ثم الغيبة أي يغيب ويتيه المحب ويفنى في المحبوب وعند ذلك لا يعلم من العاشق ومن المعشوق..  

 

ما من محب إلا وهو مشوق إلى رؤية ولقاء المحبوب ولا يبرد قلب المحب ولا يسكن شوقه إلا عند اللقاء والرؤية..  حكاية عن العارف بالله سيدي إبراهيم إبن أدهم رضي الله عنه،  قال: أضر بي شوقي إلى الله تعالى بعدما إشتعلت نيرانه في قلبي فمنعني المأكل والنوم والراحة وكنت في بيته الحرام فطفت البيت ودعوته شاكيا له حالي  وما أشعر به من الألم وهو تعالى  أعلم بحالي مني.. 

 

حال المحب

 

فقلت له سبحانه: إلهي وسيدي ومولاي.. إن كنت قد أعطيت أحدا من أهل محبتك ما يبرد به قلبه ويسكن به شوقه فأعطني، فقد ضر بي شوقي فمنعني الأكل والنوم والراحة وأنت أعلم سبحانك، وأخذت في البكاء.. ثم أتى الليل فأنامني ورأيته عز وجل يعاتبني قائلا: يا إبن أدهم أما تستحي مني. تسألني أن أبرد لك قلبك وأسكن لك شوقك وأنت تعلم أن قلب المحب لا يبرد وشوقه لا يسكن إلا عند لقائه بمحبوبه وإني قد قدرت اللقاء في دار الآخرة.. فقلت:  إلهي وسيدي ومولاي.. لا تؤاخذني على ما قلت فقد أضر بي شوقي وعلمني ما أقول.. فقال عز وجل: قل.. اللهم أرزقني الشكر على نعمائك  والصبر على بلائك والرضا بقضائك.. 

 

إلى من يدعي المحبة حكاية عن قيس عاشق ليلى.. لما تمكن حب ليلى من قلب قيس واشتعلت نيران الأشواق فيه وهام قيس وولع بليلي وتصيب في حبها وغاب في عشقها وأكتوى بناره وجن بها أخذ يناديها في صحوه ومنامه ولما وصل به الحال إلى التهتك في ليلى والفناء فيها غاب عن ليلى في ليلي.. فجاءته وهو في هذا الحال ونادته.. قيس. ها أنا ليلى.. فقال لها.. دعيني يا ليلى فقد شغلت بليلى عن ليلى.. 

 

نتغنى ب الحب وندعيه. وأين نحن من أحوال أهله الصادقين.. ل الحب علامات وأمارات منها الصبر على بلاء المحبوب والرضا بقضائه والتلذذ بإبتلائه..  حكاية عن السيدة رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي.. أقبل عليها يوما ثلاثة من أهل محبة الله تعالى من أهل الولاية والصلاح فسألتهم عن علامة الصدق في المحبة وحال المحب مع المحبوب. فقال أحدهم: علامة الصدق في المحبة الصبر على بلاء المحبوب.. وقال الآخر: الرضاء بقضاء المحبوب.. وقال ثالثهم: التلذذ بضرب المحبوب..  فقالت رضي الله عنها.. صدقتكم في كل ما قلتم.. فقالوا لها وما علامة الصدق في المحبة عندك وما حال المحب مع المحبوب.. فقالت: لا يصدق المحب في محبته حتى يكن حاله مع المحبوب كحال نسوة مصر أللائي قطعن أيديهن عندما دخل نبي الله يوسف عليه السلام  عليهن دون أن يشعرن..  

 

 

وهذا الحال يشير إلى الاستغراق بالكلية في جمال المحبوب.. وإن كان وقع هذا على أثر شهود جمال صورة بشرية مخلوقة لله.. فما بالنا بجمال الحضرة إلإلهية.. اللهم أرزقنا حبك وحب حبيبك عليه الصلاة والسلام وحب الآل والصحب الكرام وحب من يحبك ومن ينفعنا عندك حبه..  

الجريدة الرسمية