رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم الشرع في التسمية باسم "ياسين"؟.. دار الإفتاء تجيب

دار الإفتاء
دار الإفتاء

ورد سؤال إلي دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم التسمية باسم "ياسين"، وجاء رد الدار على هذآ السؤال كالتالي: 

الاسم في اللغة: ما دلَّ على مُسمًّى، وهو عند البصريين: مشتق من السُّمُوّ، وهو العلو؛ لأنه يُعلي مُسَمّاه ويُظهره، وعند الكوفيين: مشتق من وَسَمَ، بمعنى عَلَّم بعلامة؛ لأنه علامة على مُسَمَّاه؛ كما ذكر العلامة أبو البركات الأنباري في "الإنصاف" (1/ 20، ط. المكتبة العصرية)، والتسمية: مصدر سَمَّى؛ أي: جعل له اسمًا.

والتسمية تكريم للمولود؛ لأنه يُعْرَف بالاسم ويُمَيَّز به عن غيره، فهي مطلوب شرعي؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وقد حكى الإمام ابنُ حزم الاتفاقَ على فرضيتها؛ فقال في "مراتب الإجماع" (ص: 154، ط. دار الكتب العلمية): [اتفقوا أن التسمية للرجال والنساء فرض] اهـ.

حكم تسمية المولود الجديد 

وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحسين الأسماء، وأخبر أن الناس يُدعَوْن بها يوم القيامة؛ فروى أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح" عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ؛ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ».

الأسماء المحرمة في تسمية المولود 

والأصل جواز التسمية بأيِّ اسمٍ، إلا ما وردَ الشرعُ بالنهي عنه أو عن جنسه؛ كأنْ يَحْمِلَ معنًى قبيحًا، أو يكون مختصًّا بالله تعالى بحيث لا يُطْلَق إلا عليه سبحانه؛ كاسم "الله"، و"الرحمن"، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 130، ط. دار الكتب المصرية): [قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "يريد: هل تعلم له ولدًا؛ أيْ: نظيرًا، أو مثلًا، أو شبيهًا؛ يستحق مِثلَ اسمه الذي هو الرحمن"، وقاله مجاهد؛ مأخوذٌ من المسَامَاة.

وروى إسرائيل عن سمَّاكَ عن عِكْرمَةَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "هل تعلم له أحدًا سُمِّيَ الرحمن"، قال النحاس: "وهذا أَجَلُّ إسنادٍ عَلِمْتُهُ رُويَ في هذا الحرف، وهو قولٌ صحيحٌ، ولا يقال (الرحمن) إلَّا لله، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ قال: مثلًا". ابن المسيب: عدلًا، قتادة والكلبي: هل تعلم أحدًا يُسَمَّى (الله) تعالى غير الله، أو يقال له: (الله) إلَّا الله، وهل: بمعنى لا؛ أي: لا تعلم. والله تعالى أعلم] اهـ.

وقال العلامة الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (16/ 143، ط. الدار التونسية): [أي: لا مُسَامِيَ لله تعالى؛ أي: ليس مَن يُساميه؛ أي: يُضاهيه موجودًا، وقيل السَّمِيُّ: المماثل في الاسم؛ كقوله تعالى في ذِكْر يحيى عليه السلام: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾. والمعنى: لا تعلم له مماثلًا في اسمه (الله)] اهـ.

وقد تَوَاردَتْ النصوص في مشروعيَّة التسمية باسم "ياسين"، وأنه حَسَنُ المعنى عندَ أهلِ اللغةِ، ومُسْتَحَبُّ التسميةُ به عندَ أهلِ الشرع، بلا خلافٍ بينهم في ذلك.

- فأمَّا كونُهُ حَسَنَ المعنى في اللغة:

فقد تَوَارَدَتْ أقوالُ أَهْلِ اللغةِ على أنَّ اسم ياسين يعني: "يا إنسان"، وأنه قد عُبِّرَ بأحد حروفه عنه؛ جريًا على ما هو معمول به في لغة قبيلة "طيِّىءٍ" العربية.

قال العلامة أبو منصور الأزهري [ت370هـ] في "تهذيب اللغة" (13/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [وَقد حدّث إِسْحَاق، عَن رَوْح، عَن شِبْل، عَن قَيس بن سعد: أنَّ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَرَأَ: ﴿يٓسٓ ۞ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: 1، 2] يُرِيد: يَا إِنْسَان] اهـ.

وقال العلامة ابن جني [ت392هـ] في "المحتسب" (2/ 204، ط. وزارة الأوقاف): [وقرأ: "يَاسِينِ"، بكسر النون أبو السمال وابن ابي إسحاق بخلاف، وهارون عن أبي بكرٍ الهُذَليّ عن الكلبي: "يَاسِينُ"، بالرفع. قال: فلقيت الكلبي فسألته، فقال: هي بلغة طيِّئ: يا إنسان.. ويحتمل ذلك عندي وجهًا آخر ثالثًا؛ وهو أن يكون أراد: يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال: ياسين، فـ"يَا" فيه الآن حرف نداء، كقولك: يا رجل. ونظير حذف بعض الِاسم: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالسَّيْفِ شَا» أي: شاهدًا، فحذف العين واللام. وكذلك حذف من إنسان الفاء والعين، غير أنه جعل ما بقي منه اسمًا قائمًا برأسه، وهو السين، فقيل: ياسين] اهـ.

وقال العلامة الصغاني في "التكملة والذيل" (3/ 320، ط. دار الكتب): [وفي كتاب الله تعالى: ﴿يٓسٓ ۞ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾، قرأ الزُّهرِيّ وعِكْرمة والكلبيّ ويحيى بن يَعْمَر واليمانِي بضم النون على أنه نِداءٌ مفرد، ومعناه: يا إنسانُ] اهـ.

والإنسان أفضل مخلوقات الله تعالى خَلقًا في ظاهره وباطنه، فالتسمية به تسمية باسم أفضل مخلوقات الله تعالى، وفي ذلك من الفأل الحسن والتيمن الممدوح من أن يكون المولود إنسانًا فاضلًا صالحًا متسمًا بجميل الصفات الإنسانيَّة ما لا يُنكَر؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]

حكم التسمية باسم ياسين

وبناءً على ذلك: فإنه يجوز شرعًا التسمية بِاسم "ياسين"؛ لكونه حَسَنًا في معناه اللغويّ؛ حيث يُطلق ويُراد به "يا إنسان"، وحَسَنٌ في معناه الشرعيّ؛ حيث اختاره اللهُ تعالى اسمًا لسيدنا النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وعَظَّمَ وَكَرَّمَ؛ كما نَصَّ على ذلك فريقٌ من العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء سلفًا وخلفًا.

الجريدة الرسمية