رئيس التحرير
عصام كامل

الجلاء بالدماء.. ذكرى مذبحة كوبري عباس.. وحقيقة فتح الجسر لفض مظاهرات الطلاب ضد الإنجليز

كوبري عباس
كوبري عباس

يحمل "كوبري عباس" اسم الخديوي عباس حلمي الثاني، وتم تغيير الأسم بعد ثورة يوليو 1953 إلى "كوبري الجيزة"، إلا أنه لايزال يحمل نفس اسمه القديم الذي اشتهر به طيلة العقود السابقة، لكن لم يكن كوبري عباس مجرد كوبري فحسب، بل كان طريقا للاحتجاج في أربعينيات القرن الماضي، حيث صاحبته أحداث سياسية هامة لا تزال عالقة في أذهان المصريين.

مظاهرات 1945-1946

في مثل هذا اليوم 9 فبراير عام 1946 خرج الطلبة في مظاهرة احتجاج قادوها من جامعة فؤاد ضد الاحتلال الإنجليزي رافعين شعار «الجلاء بالدماء»، وسلكوا طريق كوبري عباس، وتصدّت لهم الشرطة وحاصرتهم فوق الكوبري وتم فتح الكوبري أثناء محاصرة الطلبة، فسقط في النيل منهم من سقط فغرق، ومنهم من تشبّث بحديد الكوبري طلبا للنجاة فضربته هراوات الشرطة على أصابعه ليجبروه على الموت، إلا من تحمل الضرب وأحكم قبضته فاستطاع الصعود إلى الأرض ليكون من المصابين الذين تم اعتقالهم جميعا.

حقيقة مذبحة الطلاب

أطلق البعض على هذا الحدث مذبحة كوبري عباس. والحقيقة أن المؤرخين اختلفوا في المتهم الأول في هذه الحادث الأليم، كما اختلفوا في ضخامة الحدث نفسه، لكن بعد هذه المذبحة تضامنت الحركات الطلابية في العالم أجمع مع الحركة الطلابية في مصر، وانطلقت مظاهرات أشد ضراوة في أرجاء العالم.

وذهب البعض الآخر إلى أن هذا الحادث لم يقع أبدا، وكذبوا حقيقة فتح كوبرى عباس على طلاب مصر خلال عامى 1935 و1946، مؤكدين أنه لم يحدث أن وقع هذا الأمر، فقال الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى في برنامجه التليفزيوني أن البعض دائمًا ما يتحدث أن كوبرى عباس فُتح على الطلاب وغرقوا فى النيل، لكن السينما مسؤولة على ترويج مثل هذه الأسطورة، وتابع "ليس حقيقًا ولم يحدث فى أى يوم من الأيام أن وقع هذا الأمر، ومفيش كوبرى اتفتح على طلاب لا من خلال حكومة مصرية ولا قوات احتلال".

ويقول الرافعي بالحرف الواحد في كتابه «أعقاب الثورة المصرية» الجزء الثالث صفحة «187»: «بالغ الرواه في تصوير حادثة كوبري عباس ليجعلوا منها فيما بعد دعاية سياسية ضد وزارة النقراشي وزعموا أن بعض الطلبة قد قتلوا وبعضهم غرقوا في النيل وقد تحققنا أنه لم يقتل أحد ولم يغرق أحد في هذه الواقعة بالذات ولو كان قد حدث لذكر اسمه ولو بعد حين».

ويضيف الرافعي «ان الاعتداء علي المتظاهرين هو عمل منكر في ذاته وكان واجبًا ترك الطلبة حتي يصلوا إلي قصر عابدين إذ لم تكن هتافاتهم عدائية للحكومة ولكن ليس من الانصاف رواية الوقائع المبالغ فيها واخراجها عن حقيقتها ارضاء للمآرب والشهوات". 

وعلى الرغم من الاختلاف حول حادثة الكوبري وقتل الطلاب فوقه، يبقي مثبتا في التاريخ أنه تم اختيار يوم 21 فبراير يومًا عالميًا للطالب، لكن الغريب أن كثيرًا من الطلاب لا يعرفون عن هذا اليوم شيئًا.

مظاهرة 13 نوفمبر 1934م

لم تكن تلك هي الحادثة الاولى التي تسطر في التاريخ على كوبري عباس، فقبلها وتحديدا حين تولّت وزارة نسيم في 14 نوفمبر 1934م استصدرت أمرًا ملكيًا بإبطال العمل بدستور 1930، إلى أن يوضع نظام دستوري جديد يحل محل دستورَي 1923م و1930م، وفي 9 نوفمبر 1935 وفي قاعة «الجولدن هول» بلندن، ألقى السير صمويل هور، وزير الخارجية البريطاني، تصريحا أثار الشارع المصري ومثّل الفتيل الأول في اندلاع مظاهرات كوبري عباس الأولى في 13 نوفمبر 1935م حيث صرح هور بأن دستور 1923م غير صالح للعمل به، في مصر وأن دستور 1930م ضد رغبة الأمة بالإجماع.

التهبت المشاعر بسبب هذا التصريح الذي تزامن مع الاحتفال بعيد الجهاد في 13 نوفمبر فتحوّل الاحتفال بهذا العيد إلى مظاهرات عارمة تندد بتصريح هور وتنادي بسقوط الحكومة، وخرج طلاب الجامعة وانضم إليهم طلاب المدارس في مظاهرة وشارك معهم طلاب مدرستي التجارة المتوسطة بالجيزة والسعيدية، هاتفين ضد تصريح هور وإنجلترا ومنادين بسقوط الحكومة.

وحدث صدام بين البوليس والطلاب عندما حاولوا اجتياز كوبري عباس، وأطلق البوليس النار على الذين عبروه، وسقط عدد من الجرحى والشهداء، وكان منهم محمد عبد المجيد مرسي الطالب بكلية الزراعة وطالب الآداب محمد عبد الحكم الجراحي، وتجددت المظاهرات واستشهد الطالب على طه عفيفي في 17 نوفمبر، ثم قام هور بإلقاء خطاب يخفف فيه من تصريحه السابق. وتحت ضغط الحركة الطلابية استجاب الرأي العام وأعلن أن يوم 21 نوفمبر 1935 سيكون إضرابًا عامًا.
 

الجريدة الرسمية