رئيس التحرير
عصام كامل

في معنى «الشرعية»!


الحديث الآن متواصل بشكل محموم عن الأحداث المتوالية، وبسرعة شديدة، في مصر، والتركيز الأساسي ينصب على تعريف كلمة «الشرعية»؛ فمؤيدو الرئيس السابق محمد مرسي يقولون إن الرجل معه الشرعية وإنه منتخب وإنه رئيس البلاد.. ومعارضو الرئيس الذين أعدوا العدة لشهور لحشد 22 مليون توقيع من مواطني مصر وحددوا موعدا للتظاهر ينادون فيه بسقوط شرعية الرجل لأسباب مهمة وموضوعية، أهمها حكمه بشكل اسبدادي وإقصائي واختزال الكثير من المؤسسات في شخصه بعد إعلانه الدستوري المثير للجدل، وهو كان قرارا قاضيا كشف إما عن عدم إدراك الرجل بأسلوب وإدارة البلاد أو أنه أفصح عن نواياه التي يرغب من خلالها في تقليص أو تقزيم مؤسسات الدولة لصالحه هو وجماعته وعشيرته.


الشرعية مصدرها الشعب، هكذا هي المسألة ببساطة، الشعب يقرر «شرعيته»، فالشعب الذي قرر إسقاط نظام حسني مبارك لأسباب كثيرة وسانده الجيش فيها، هو أيضا جاء اليوم لإسقاط شرعية محمد مرسي بشكل واضح، نظرا لقيام مرسي بحنث قسمه الذي أداه والذي وعد فيه بحماية الدستور المصري.. الشرعية تأتي من الشعب، والشعب وحده هو القاعدة التي تشرع الشرعية، وهناك أمثلة كثيرة جدا لتأكيد هذا الأمر؛ الرئيس الفرنسي العملاق شارل ديجول بعد انتخابه رئيسا للبلاد أحس بأن هناك عدم رضا موجود من قبل الشعب على حكمه، فقام بإجراء استفتاء (وهي المسألة التي رفضها محمد مرسي تماما)، وجاءت النتيجة لصالح شارل ديجول بأكثر من 51% توافق على أسلوبه في حكم البلاد، ومع ذلك شعر ديجول بأن هذه النسبة ليست نسبة كافية تعطيه «الشرعية» الكافية للبقاء في رئاسة الجمهورية وقدم ديجول استقالته وتقاعد بعدها فورا.

وهناك أمثلة مهمة حصلت في بعض دول أمريكا الجنوبية، مثل الأرجنتين، والبرازيل التي تدخل فيها الجيش لحماية الدستور والديمقراطية، وهي التي أدت بعد ذلك إلى الاستقرار والتطور السياسي المهم التي تشهده هاتان الدولتان اليوم وبنجاح يشهد به العالم أجمع، وكذلك كان الأمر في الفلبين أيضا، والتجربة باتت اليوم معروفة جدا، والجيش كان له الدور العظيم في حماية ثورة الناس كما أطلق عليها عالميا كما هو معلوم للتاريخ.

الشرعية كلمة عريضة يسهل على الناس تفسيرها بحسب الأهواء، إلا أن الشرعية التي لا تحقق الغرض الرئيسي وهو الحكم لصالح الشعب وليس لصالح البعض لا تكون شرعية أبدا.. ما حصل في مصر لم يكن انقلابا عسكريا أبدا، ولكن الجيش مجددا مال إلى صالح رغبة الشعب الجارفة في حماية مصالحها وحقوقها وآمالها وطموحاتها.. القرار الذي أخذه الجيش المصري هو تأكيد وانحياز كامل للشرعية الشعبية لا الشرعية النظرية والتنظيرية، الأمة هي مصدر السلطات، وهي مسألة لا تحتمل الفهم الخاطئ، والخطوات التي اتخذت أخيرا في مصر تؤكد أن الشرعية هي أساس الاتجاه في مصر بتأسيس حكم المؤسسات بدلا من «إيهام» الناس بالمؤسسات لكي تكون وسيلة وأسلوبا وطريقة لأجل تكريس الاستيلاء على الحكم والسلطة لصالح فئة واحدة بشكل كامل.

هناك جيوش وطنية بحتة، وهناك جيوش تصل للحكم لكي تبقى فيه.. الجيش المصري أثبت أنه جيش وطني ومؤسسة أساسية في حكم البلاد، يساعد على إبقاء الوضع بشكل سوي ومستقر ومستدام، وهذا وحده إنجاز يجب أن يحترم ويقدر بامتياز.. الشرعية هي رغبة الشعوب لا رغبة المنظرين ومن يتبعون أهواءهم.
نقلا عن الشرق الاوسط
الجريدة الرسمية