أوكرانيا.. كوبا الأمريكية
كما لعبت الولايات المتحدة لعبتها المدمرة في الدول العربية لإحداث تغيير، بالتفكيك والتفتيت وإثارة النعرات الدينية والعرقية وتأليب الشعوب على جيوشها الوطنية، فإنها حاليا و بضراوة تمارس هذا الدور الشيطاني، وليست هنالك أية مبالغة بلاغية فى هذا التوصيف لتدمير الاتحاد الروسى، بعد نجاحها فى الانتصار بالحرب الباردة على الاتحاد السوفيتي، فككته وفتته ودفنته!
يمكن القول إن الولايات المتحدة نقلت معظم نشاطها من الشرق الأوسط، عدا إيران تقريبا، إلى المحيط الهادى ثم الاتحاد الروسى. واللعبة الآن هى إستفزاز الروس باستمالة أوكرانيا، وكان نظامها مواليا ل روسيا قبل الاطاحة برئيسها بثورات مدفوعة، وهوما دفع بوتين إلى استعادة شبه جزيرة القرم، المنفذ البحرى الوحيد للأسطول الروسى إلى المياه الدفيئة. يحتمى الاوكرانيون بالغرب نظير المساعدات وتجهيزات ووعود بضمها إلى حلف الناتو، وبذلك تصبح، الصواريخ الأمريكية على باب البيت الروسي مباشرة.
أوكرانيا وروسيا
في أزمة كوبا، أيام خروشوف الزعيم السوفيتي القوى، والرئيس الأمريكي جون كينيدي، كانت الصواريخ الشيوعية علي بعد بضعة أميال من فلوريدا الأمريكية منصوبة في أراضي كوبا الشيوعية الموالية للسوفيت، ونشبت أزمة عالمية هددت بحرب نووية. الآن إنقلب الوضع، فصارت أوكرانيا هى كوبا، والصواريخ الشيوعية هي صواريخ الناتو.
فى مثل هذا الوضع الجيوسياسي الخطير، يصبح من الطبيعى أن تسمع طبول الحرب فى العالم. وبمرارة أعلنها الرئيس الروسي فى مؤتمره الصحفي العالمى أن الغرب لم يكتف بتفكيك الاتحاد السوفيتي وضم بعض دوله إلى الناتو، بل يسعى لتفكيك روسيا، وهو ما لن يقبله أى زعيم وطنى.
بالوجود الغربى وتبعية الاتحاد الأوروبي العمياء للبيت الأبيض، رغم مصالح أوروبا وبالذات ألمانيا مع إمدادات خط الغاز الروسي، لن يكون سهلا على القيادة الروسية ألا تتحرك. وكالعادة سربت المخابرات الأمريكية أنباء عن هجمات سيبرانية على مؤسسات الدولة الاوكرانية، وبالأمس أيضا سربت ما أسمته بخطة تخريب مفتعل تتعرض لها روسيا لإلصاق العملية بالاوكرانيين، ويكون ذلك مبررا للغزو الروسي، ومن قبل سربت نفس الاستخبارات أنباء وصور لمائة ألف جندي روسي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا.
ورغم أن الروس أكدوا مرارا وتكرارا أنهم لا يعتزمون غزو أوكرانيا، الإ أن التصريحات، تتوالى بتنسيق ومنهجية ملحوظة، ما بين واشنطن ولندن وبرلين وباريس، تحذر تارة من عواقب اقتصادية، وتارة عسكرية وتارة غير عسكرية وتارة وصفوها بالوخيمة.
يتعمد وزراء الخارجية في هذه الدول الأوروبية وواشنطن إطلاق تصريحات متماوجة متعددة التأويلات، يسهل معها الخروج من إحداها لغيرها. المقطوع به أن الغرب لن يدخل فى مواجهة عسكرية مع الروس. الثمن فادح كارثى لكل الأطراف. والمقطوع به أن موسكو لن تسمح بكوبا أمريكية على حدودها. أما إن طبول الحرب تدق بضراوة فهذا صحيح، لكنه نوع من الضجيج ولا طحن الذى يستهوى بايدن، قيادة تتماسك بشق الأنفس لإظهار أنها لا تزال السيد الحاكم. لا إقتصاد أمريكا يسمح ولا حالة أوروبا تسمح. لكن إذا انطلقت الرصاصة الأولى فالعالم كله إلى الهاوية.