رئيس التحرير
عصام كامل

روبرت ساتلوف: ما حدث في مصر ليس انقلابا.. الجيش حمى البلاد من حمامات دماء.. والسيسي أكثر دهاء وحنكة.. عدم تقديم مساعدات لمصر "إجرام".. و"أصدقاء مصر" يَعِدون بتقديم مساعدات مالية هائلة للقاهرة

روبرت ساتلوف
روبرت ساتلوف

"مع تلطيخ سمعة الولايات المتحدة جراء التصور السائد بخنوعها لجماعة «الإخوان»، فستكون المرحلة التالية من العلاقات الأمريكية- المصرية عاصفة.. لقد تضاءل نفوذ واشنطن لكنه لا يزال قائمًا. إن مصر دولة ذات أهمية؛ فدعونا نتعامل مع الأمر بشكل صائب هذه المرة".. ذلك ما أكده "روبرت ساتلوف" المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في سياق تحليله السياسي الذي جاء بعنوان "بعد الإطاحة بمحمد مرسي، فرصة ثانية لأوباما".


وقال ساتلوف: "عزل الجيش المصري للدكتور مرسي جاء ليمنح إدارة أوباما فرصة هي الأكثر ندرة في السياسة الخارجية: إنها فرصة ثانية، ووضع الأمور في نصابها سوف يتطلب فهم الجوانب التي أخطأت فيها الولايات المتحدة في المرة الأولى".

وأضاف: "يرى البعض أن الخطأ الجوهري الذي ارتكبه الرئيس أوباما في سياسته تجاه مصر هو سحب الدعم الأمريكي من الرئيس السابق حسني مبارك، عندما ملأ آلاف المصريين "ميدان التحرير" للمرة الأولى مطالبين بالتغيير، ووفقًا لوجهة النظر هذه، كان على الولايات المتحدة أن تقف إلى جانب مبارك، المعارض الصارم لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، الذي قاتل جنوده إلى جانب القوات الأمريكية في حرب الخليج، والذي ظل محافظًا على سلام مصر مع إسرائيل رغم عزلته في العالم العربى".

وأكد ساتلوف أن وجهة النظر هذه خاطئة، فصحة مبارك العليلة تعني أن حكمه أوشك على الانتهاء، وهي حقيقة رفض مواجهتها، وبدلًا من ذلك أحاط نفسه بالمتملقين وتصرف كما لو كان فرعونًا عصريًا. وبالنسبة للمصالح الأمريكية فقد كان مبارك يشكل عبئًا ثقيلًا، وكان هناك بديل منطقي".

وأوضح "في مطلع 2011، كان الجيش هو ذلك البديل المنطقي، ورغم خطاب أوباما المحلق بأن نشطاء "ميدان التحرير" هم ورثة مهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ، إلا أن السياسة الأمريكية كانت تقوم من الناحية الفعلية على حماية المصالح الأمريكية في مصر من خلال دعم نقل السلطة من جنرال في سلاح الجو يبلغ من العمر 82 عامًا إلى جنرال يبلغ من العمر 75 عامًا هو قائد "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" المشير محمد حسين طنطاوي. لقد كان الجيش المصري، المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، قادرًا على أن يسبح عبر العواصف السياسية وأن يجد قبطانًا مدنيًا يقود دفة سفينة الدولة إلى بر الأمان".

وتابع ساتلوف في تحليله: "نرى أن خطأ الولايات المتحدة الأكبر كان الثقة المفرطة التي وضعتها في الجنرالات، فعندما انتقل البيت الأبيض إلى قضية ليبيا وغيرها من المواضيع، ترك من الناحية الفعلية سياسته تجاه مصر تسير بقوة الدفع التلقائي، حيث منح الجنرالات حرية تقدير سرعة ومحتوى "عملية التحول الديمقراطى".

وأشار ساتلوف إلى أن "جماعة «الإخوان المسلمين» كانت لاعبة هامشية في التحولات المثيرة في "ميدان التحرير"، وهي معروفة كحركة أيديولوجية إسلامية سرية تعمل في الخفاء. وخلال 18 شهرا فقط، استطاع الرجل المهيمن والقوي محمد حسين طنطاوي الإشراف على عملية سياسية تمكن من خلالها «الإخوان» هندسة طريقة منهجية للسيطرة على النظام السياسي في مصر، وربما سمح طنطاوي بذلك اعتقادًا منه بأنه وجد لاعبًا سياسيًا داخليًا لتأمين المصالح المؤسسية للجنرالات، لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة، فاستيلاء «الإخوان» على السلطة- جزئيًا من خلال صناديق الاقتراع، وبصورة جزئية من خلال وسائل غير دستورية- كان كاملًا إلى حد بعيد إلى درجة أن إحدى الخطوات الأولى التي اتخذها رئيسها المنتخب حديثًا هي الإطاحة بطنطاوي في أغسطس 2012. وفي منطقة تعج بالسياسيين غير الأكفاء، كان طنطاوي مميزا".

وقال ساتلوف "تحدد نمط العلاقات الأمريكية مع جماعة «الإخوان» وممثلها في القصر الرئاسي، مرسي، فعلى غرار ما حدث مع الجنرالات، وعدت «الجماعة» بتدابير لحفظ الاستقرار، بما في ذلك السلام الفاتر مع إسرائيل. وكل ما طالبت به هو أن تُترك وشأنها. وفي الوقت الذي علا فيه الشعار الأمريكي الجديد "بناء الوطن من الداخل"، كان العرض من الممثلين الذين انتُخبوا حديثًا من قبل الشعب المصري مغريًا".

وأشار إلى أن المبعوثين الأمريكيين ذهبوا إلى القاهرة يحملون شيكات، كما لو أن المال سيستمر في التدفق بغض النظر عن السياسات الاقتصادية الشعبوية السيئة التي انتهجها «الإخوان»، وقد تحدثت الإدارة الأمريكية عن الحقوق المدنية والتسامح، لكنها لم تفعل شيئًا عندما تعرض الصحفيون والنشطاء والمواطنون العاديون للسجن بتهم الإساءة للإسلام أو إهانة الرئيس، ولا يوجد رد أبلغ على التراجع الأمريكي في دعم المجتمع المدني- والذي عكسه خنوع واشنطن في مواجهة محاكمة نشطاء أمريكيين داعمين للديمقراطية- من خروج ملايين المصريين إلى الشوارع في الأيام الأخيرة لاسترداد دولتهم.

ولا ينبغي أن يفرح أحد بخلع رئيس منتخب من قبل جيش في بلد ما، لكن هذا ليس انقلابًا بالمعنى التقليدي- حسبما أكد ساتلون- ولا يستحق تعليق المساعدات الأمريكية وفقًا لما ينص عليه القانون الأمريكي، مضيفًا أن الجيش منع بشكل مؤكد وقوع حمامات دم كانت ستترك جروحًا في مصر على مدى عقود، إن اللافعل وعدم التدخل كان سيرقى إلى مرتبة العمل الإجرامي.

وقال ساتلوف مع عودة الجيش إلى الساحة، فسيكون من الأعمال الإجرامية كذلك أن تكرر الإدارة الأمريكية أخطاء الحلقة الماضية من الحكم العسكري، عندما تمت التضحية بكل شيء على مذبح الاستقرار. إن الفارس الأبيض الجديد الجنرال عبد الفتاح السيسي ليس أكثر ديمقراطية من طنطاوي، لكنه ربما يكون أكثر دهاء وحنكة. وتحتاج واشنطن أيضًا أن تكون أكثر حنكة ودهاء.

لقد قال أوباما مرارًا وتكرارًا، إن الولايات المتحدة ترفض الخيار الزائف بين الديمقراطية أو الاستقرار؛ وهذا أكثر ما ينطبق على الوضع في مصر حاليًا. ففي عالم ما بعد مرسي، يجب على واشنطن أن تضع سياسة يكون فيها دعمها لمصر مشروطًا ليس فقط باستمرار اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لكن أيضًا باستمرار التحرك نحو بناء حكومة ديمقراطية تعددية تنتهج سياسات اقتصادية سليمة.

وهذا يعني من الناحية العملية التعاطي بشكل أوسع نطاقًا مع كافة الأطياف السياسية المصرية، وليس فقط مع الحزب الحاكم؛ وتقديم دفاع لفظي قوي عن الأقليات (المسيحيون والبهائيون والشيعة)؛ وإعادة الاستثمار في برامج المجتمع المدني التي تساعد المصريين على ترجمة أنشطتهم في الشوارع إلى منظمة سياسية؛ وقيادة تجمع منضبط لـ"أصدقاء مصر" يَعِد بتقديم مساعدات مالية هائلة لكن فقط من أجل اتقاء تأثير التخفيضات المتأخرة في نظام الإعانات المتضخمة.
الجريدة الرسمية