رئيس التحرير
عصام كامل

«الثعلب» الشاطر

فيتو

طوال أكثر من 20 عامًا ظل المهندس محمد خيرت الشاطر هو الرجل الحديدي الأقوى داخل جماعة الإخوان المسلمين، فالرجل يعد الصقر الأكبر في الجماعة ويستطيع أن يلملم كل خيوط اللعبة بيد واحدة ويدخل مفاوضات يستخدم فيها كل ما هو متاح سواء كان مسموحًا أم ممنوعًا ليصل في النهاية إلى ما يريد.


الشاطر هو "سوبرمان الإخوان" و"المنقذ" وهو "الثعلب" حينما يفاوض أو يضع الخطط، فما من خطة وضعها إلا وأتت ثمارها وحققت له ولإخوانه ما يريد.

الرجل استطاع أن يدخل الجماعة إلى قصر الرئاسة فلولاه ما أصبح محمد مرسي رئيسًا.

وهو "محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر"، وشهرته خيرت الشاطر (ولد في 4 مايو 1950) بمحافظة الدقهلية، وهو مهندس مدني ورجل أعمال، والنائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، ترشح كمستقل لانتخابات الرئاسة المصرية 2012 وتم استبعاده من الانتخابات.

"الشاطر" قضى كثيرا من عمره داخل السجون وعلى الرغم من ذلك استطاع وهو في السجن أن يكون إمبراطورية اقتصادية كبيرة للغاية ادهشت جميع الاقتصاديين، ولا أحد يستطيع أن يحلل الطريقة التي استطاع بها الشاطر تكوين هذه الإمبراطورية، إلا أن بعض الخبثاء والعالمين ببواطن الأمور أكدوا أن الرجل كانت تربطه علاقات تجارية ببارونات الحزب الوطني، واستطاع أن يبرم اتفاقيات تجارية وهو في زنزانته بفضل رجال أعمال الحزب الوطني المنحل.

"الشاطر" بدأ في تكوين إمبراطوريته الخاصة من شركة سلسبيل، وهي الشركة التي تحولت إلى اسم لقضية كبيرة عرفت إعلاميا بقضية "سلسبيل"؛ لأن هذه الشركة كانت تعمل كغطاء لمخططات مستقبلية لجماعة الإخوان المسلمين.

ويعتبر الشاطر، وهو الرجل الثاني في تنظيم الإخوان المسلمين الممول الأساسي للجماعة، نظرا لما يملكه من ثروة هائلة تقدر بما لا يقل عن 20 مليار دولار، أدخلته في قائمة المائة لأكثر أثرياء العالم.

وكانت التجارة والأعمال هما نقطتا قوة الشاطر، وكان عضوًا في مجالس إدارة العديد من الشركات في البحرين، ولوكسمبرج، وبريطانيا.
كما شغل الشاطر مناصب سابقا، حيث كان عضوا في مجالس "البنك الدولي للتنمية والاستثمار"، و"المهندس بنك"، وهو المالك الرئيسي لشركة "السلسبيل للتجارة والاستثمار"، وشريك مؤسس ومالك لشركة "رواج" صاحبة الامتياز المصري لتأجير الأثاث التركي إيستيكبال.

وقد ولد خيرت الشاطر بمحافظة الدقهلية في 4 مايو عام 1950، وسجن في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم في عهد الرئيس السابق حسني مبارك عدة مرات، وكان خيرت الشاطر طالبًا مجتهدًا وصاحب سمعة ممتازة بين زملائه، هادئ الصوت لا يغضب، كان نموذجًا للابن المصري الذي نتمناه في بيوتنا يحصل على تقدير "امتياز" في كهرباء الاتصال، ويتم اضطهاده بسبب كفاحه السياسي، برفض تعيينه في الجامعة بسبب قيادته الحركة الطلابية، فيرجع الشاطر إلى المنصورة ويتم تعيينه بجامعتها التي كانت جديدة وفي حاجة للأساتذة والمعيدين، وبقي بالجامعة حتى أصبح مدرسًا مساعدًا بكلية الهندسة حتى عام 1981، وكان قد سافر بعدها إلى دول الخليج، ثم ذهب إلى "لندن" للحصول على "الدكتوراه"، وبدأ نشاطه التجاري من هناك، فقد ورث خيرت الشاطر عن والده تجارته وأراضي زراعية وكان والده من التجار الكبار المعروفين في الدقهلية.

وعاد خيرت الشاطر من السفر وأسس مع حسن مالك شركة "سلسبيل" التي كانت من أولى وكبرى شركات الحاسب الآلي في مصر، بالإضافة إلى عدة مشروعات أخرى مثل تنظيم وإدارة المعارض الكبرى وتمليك المشروعات الصغيرة بالتقسيط، وإنشاء سلاسل من محال تجارية في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى تأسيس شركة لتصدير الخامات للخارج والعمل في المجال الزراعي والحيواني.

الشاطر شغل منصب النائب الثاني للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في عهد المرشد السابق محمد مهدي عاكف، كما شغل منصب النائب الأول للمرشد العام الحالي محمد بديع، وكان في السجن وقت انتخابه للمنصب، قد عمل في التجارة وإدارة الأعمال وشارك في مجالس إدارة شركات وبنوك.

مكر الشاطر بدأ في الظهور مع اعتقالات سبتمبر 1981 فقد استطاع الرجل أن يحصل على القائمة الكاملة لهذه الاعتقالات قبل القيام بها بيومين، وأبلغ قيادات الإخوان بذلك فرحل بعضهم عن مصر هربًا من الاعتقال وعادوا بعد اغتيال الرئيس السادات.

"الشيطان" في السياسة استولى على عقل الشاطر الذي بدأ نجمه يلمع داخل التنظيم الإخواني للدرجة التي دفعت مصطفى مشهور، المرشد العام الأسبق للإخوان لاختيار الشاطر ليصبح مسئولا عن التنظيم الخاص للجماعة وجهازها السري الذي يقوم بالتجسس وجمع المعلومات.

استطاع "مشهور" أن يستثمر الشاطر جيدًا وهو ما دعا الأخير للاستفادة من ذلك فتحول إلى غول إخواني جديد لا يقل عن قوة "عبدالرحمن السندي"، مؤسس النظام الخاص للإخوان.

سيطر "الشاطر" على التنظيم بكل ما يمتلك من قوة، واستطاع أن يقصي أسماءً كبيرة للغاية في مقدمتها الدكتور محمد حبيب والمحامي مختار نوح والدكتور عبدالستار المليجي والدكتور إبراهيم الزعفراني، وآخرهم كان الرمز الإخواني الكبير الدكتور كمال الهلباوي.

ما فعله "الشاطر" مع "حبيب" بات أمرًا يتم تدريسه في مدارس الشياطين، ففي انتخابات مكتب الإرشاد قبل الماضية كان "حبيب" المرشح الأوفر حظًا لمنصب المرشد العام للجماعة، وكاد أن يفوز على مهدي عاكف، المرشد السابق، لولا تدخل "الشاطر" الذي صال وجال بين أعضاء مكتب الإرشاد ليقنعهم بالتصويت لعاكف لأنه الأقدم، وبدأ في التفاوض على الأصوات فتبدلت الخريطة وفاز عاكف بفارق صوت واحد على حبيب.

وفي انتخابات مكتب الإرشاد الماضية تدخل الشاطر أيضا وأدار عملية التصويت بـ"الريموت كنترول" من داخل محبسه بسجن طرة وأقصى الدكتور محمد حبيب أيضًا للدرجة التي دفعت الأخير لتقديم استقالته تاركا الجماعة التي احتضنته طويلا ودافع عنها بكل ما يملك من قوة.

"الشاطر" مدرسة كبيرة للغاية في "اللعب" على جميع الحبال ولا يضاهيه أحد في ذلك، ففي الانتخابات الرئاسية الماضية كان الوضع داخل جماعة الإخوان في غاية الصعوبة، فالجماعة رأت بعينها الصعود الصاروخي لنجم حازم صلاح أبوإسماعيل، وفجأة انكشف الإخوان على حقيقتهم، وتراجعوا عن تعهداتهم السابقة، بعدم الدفع بمرشح رئاسي، بعد الدفع بخيرت الشاطر الذي لم يكن وليد اللحظة، ولكن سبقه العديد من الترتيبات، التي أشرف عليها الشاطر بنفسه، لإقناع أعضاء الجماعة بأن يطالبوه بالترشح.

في البداية لم يفكر الإخوان في ترشيح أحدهم لكنهم حينما نجحوا في مجلس الشعب بأغلبية تغيرت أفكار بعض القيادات وعلى وجه الخصوص خيرت الشاطر الذي وجد أن الوصول إلى السلطة التشريعية وحدها لا يكفي، بالإضافة إلى أن هذه النسبة أعطت مؤشرات للشاطر حول أن مرشح الإخوان في الرئاسة قد يحصل على عدد أصوات كبير يؤهله للحصول على المنصب.

وما بين الرغبة في السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد وبين الطموح الشخصي لخيرت الشاطر تحركت الأحداث داخل جماعة الإخوان.

وكانت البداية مع الخلاف "الوهمي" بين جماعة الإخوان وبين حكومة الجنزوري الممثلة للسلطة التنفيذية، وكان هذا الخلاف مصطنعًا، فهذا الخلاف كان قنبلة دخان، ليس من ورائها هدف إلا إعطاء مبرر للجماعة لخوض انتخابات الرئاسة.

وفي يوم الخميس 5 أبريل 2012، تقدم خيرت الشاطر بأوراق ترشحه للجنة القضائية العليا المشرفة على انتخابات رئاسة الجمهورية كمرشح مستقل بتأييد 277 نائبًا بمجلسى الشعب والشورى، إلا أنه تم استبعاه بعد ذلك من السباق الرئاسي.

الشاطر إبان الانتخابات استطاع أن يستخدم كل ما يملكه من حيل ليفوز بديله الدكتور محمد مرسي بالرئاسة، فالتقى الشاطر مع عمرو موسى والفريق أحمد شفيق ومعظم مرشحي الرئاسة، وتلاعب بالجميع وألقى الوعود يمينًا ويسارًا وفي كل اتجاه للجميع.

باختصار يظل "الشاطر" هو "ثعلب السياسة والاقتصاد" ولا يضاهيه أحد في ذلك.
الجريدة الرسمية