رئيس التحرير
عصام كامل

 فمن العدو اليوم ؟!

نتنسم أجواء الانتصار العظيم، في السادس من أكتوبر قبل ثمانية وأربعين عاما. نتنسم شكلنا وروحنا وأداءنا وعطاءاتنا. نستعيد الفرح والزهو بأنا كنا رجالا من ظهور رجال. الرجل الحقيقي صلب لا ينكفئ ولا ينكسر، بل يصمد ويواجه ويرفض الهزيمة. انتصارنا على العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر، وبعد كل هذه العقود من السنين، ليس في حقيقة الأمر سوى إنتصار على النفس.

ماذا كانت النفس المصرية في ذلك الوقت؟ كانت في صمود، وفي طموح، وفي انتظار البيان الأول: عبرت قواتنا المسلحة. من أقصى البلاد إلى أقصاها توحدت القلوب والعقول، وكف اللصوص عن سرقاتهم، وخشعت مشاعرهم للحظة الجليلة. مرت السنين، والاحتفال والحفاوة بيوم النصر يتجددان، لكن الذات المصرية ليست هي الذات المصرية. فينا خاصية غريبة جدا، تحتاج إلى دراسة متكاملة من علماء الاجتماع والسياسة والنفس والدين: لماذا وقت الخطر تتجلى وتسطع مصريتنا الحقة، وتنزاح النسخة المترهلة الكسولة الحانقة؟ هل من الضروري، طول الوقت أن نعيش في حالة تأهب نفسي وكارثي؟ 

 

من المعروف أن أعظم ما في الإنسان يثمر تحت الضغط. هذه حقيقة، لكن لماذا لا يكون ضغط إبداع وطنى.. ضغط الجموح في تحسين الحياة، ضغط الرغبة في التجويد وفي الإتقان.. ضغط الخشية من الله. استحضار هذا كله بمثابة تطهير للشخصية، القلب والقالب. ما هي أمراضنا الاجتماعية حاليا؟.. والأهم من التشخيص.. معرفة سبب الإصابة. كلنا حاليا مرضى بدرجات. المرض النفسي غالب ومنتشر.. ليس شرطا أن يصيبك لاقدر لله الإكتئاب لكي توصف بالمريض النفسي.. 

خطر جماعي

الغل مرض نفسي. الحقد مرض نفسي. الحط من شأن الغير وإعلاء شأن الذات، مرض نفسي. التخطيط لتدمير حياة شخص.. إجرام ومرض نفسي. التدبير لحرمان شخص من عمله أو إزاحته من منصبه.. مرض نفسي. تجمع هذه الموبقات الاجتماعية قاطبة مظلة حقيرة إسمها الأنانية.

نعاني الإنقسام، ونعاني التناحر، والتزاحم.. وسنقولها بصراحة: لقد انصرفنا عن تضحيات العظماء الذين يعطون الوطن دماءهم وأرواحهم. عزفنا عن المتابعة، والتألم، لاحساسنا بأن الخطر زال. هو زال عنا لكنه أخذ حياتهم.

لا ينبغي أبدا العزوف عن تمجيد كل بطل وكل شهيد، حتى لا يدير المجتمع ظهره.. فيفاجئه الخونة. نعم انتصرنا في ثورة الثلاثين من يونيو على عدو داخلي متحالف ومستعبد ومأجور من عدو خارجي، لأننا كنا في خطر جماعي. وانتصرنا في حرب أكتوبر على عدو خارجي احتل أرضنا، محدد الهوية معروف. فمن العدو اليوم؟

إنه نحن.. بتكاسلنا.. بإشاعة الأكاذيب والفوضى، وفضح المستور، وتضليل الناس. بتقديم المنافقين على المحترمين أنفسهم. بإخفاء الحقيقة من أجل المسايرة. بانغلاق أفراد الأسرة الواحدة.. كل واحد لوحده.. يخاطب مجهولا..

كل هذه الأمراض تنخر فينا.. نحتاج إلى إنقاذ روحنا.. نحتاج إلى خطة مدروسة وآلية تنفيذ للإصلاح الإجتماعي. لا خير في مجتمع يعادي نفسه.. ولا خير في مجتمع يتنادى وقت المصيبة ويهرول.. ولا خير في مجتمع يمارس رذيلة النفاق. كأنه يصلي لإله غير الله !

الجريدة الرسمية