رئيس التحرير
عصام كامل

زي المزيكا.. الناس مقامات

في البركة الراكدة، قالت قطرة ماء: «لن نبرأ أبدا من هذا الوحل». ردت قطرة أخرى: «يظل الماء ماء مهما علقت به الأوساخ». وفي الصباح سقط شعاع الشمس على البركة، فتبخر الماء طهورا، وصعد إلى السماء محمولا في سحابة بيضاء، وفي الظهيرة سقطت قطرتا الماء على أرض قاحلة، فأحيت في المساء زهرة برية ظنت أنها ماتت عطشا.

 

*  لم أر في حياتي أوفى من الحزن رفيقا، يلازمني كظلي في الطريق المشمس، حتى إذا رأى على شفتي ابتسامة توارى خجلا كاحتجاب الظل حين تمر سحابة، لكنه سرعان ما يعود لنكمل معا الطريق..

 

طيفها

*  في ليالي البعد، اكتشفت أن طيفها أكثر ولاء لي منها، فهو مثلا يأتيني كلما غابت ولا يتركني وحيدا إلا في حضورها - وهذا يحدث نادرا..ةطيفها لا يمل مني، لا ينظر في الهاتف حين نكون معا، لا ينشغل بالرد على الرسائل، ولا يشرد بعيدا عني ليحدق في الأفق.. طيفها يحرص على أن يلقي التحايا الروتينية في مواعيدها: صباح الخير.. طبت مساء.. تصبح على خير..

 

كما أنه دائم السؤال: كيف حالك.. هل تناولت فطورك اليوم.. كم فنجانا من القهوة شربت هذا الصباح.. وأحيانا يتقمص دور الأم: لا تعرض نفسك لتيار الهواء البارد.. خذ الدواء في موعده.. انتبه لحالك.. أيضا هو مجامل بشكل لا يصدق: هذا اللون يليق بك.. ابتسامتك ساحرة.. أحب ما تكتب.. أذكر مرة -وربما كان ذلك حلما- أن طيفها قبل جبيني في ليلة باردة، ثم سحب الغطاء علي بشكل محكم وهو يهمس: نم جيدا.. أحلام سعيدة.

 

 

*  ماذا نفعل لليد التي ربتت على الكتف وقت الحزن؟

تلك اليد نحسبها وردة.. ننظر لها في إعجاب، نقطفها، نمعن النظر فيها، نشمها بعمق ونحن نغمض أعيننا، ثم نلقي بها إلى الطريق ونركض بحثا عن يد أخرى خذلتنا، كي ندللها، نمسحها بماء الورد، نلبسها خاتما لامعا، ونقبلها.

 

 زوار المساء

* أريد أن أخبركم سرا..

هذا الصباح فتشت عن اكتئابي الذي تركته تحت وسادتي فلم أجده.

هذه ليست المرة الأولى، تكررت بالأمس ولألف ليلة ماضية..

في كل ليلة أعانق أحزاني وإحباطي ووجعي ثم أغمض عيني، لكنني حين استيقظ لا أجدهم..

أنا رجل وحيد لا أحد يعيش معي في هذا البيت، إذا من يفعل ذاك؟ من يسرق آلام عتمة الليل ويبدلها شمسا من الأمل!

أعلم أن زوار المساء سيعودون في موعدهم، لكنني في كل صباح أحلم بألا تغرب الشمس، فتبقى معي لتبدد الحزن والوجع والألم.. ترسلهم إلى فضاء بعيد.. ثم تبيت إلى جواري ليصبح يومي كله صباح. 

 

شاعر لليلة واحدة

 

* لو قدر لي أن أكون شاعرا لليلة واحدة، سأكتب قصيدة واحدة وأضعها تحت وسادتي، لعلي أجدها في الصباح امراة.. فالمرأة قصيدة والقصيدة امرأة.. بعض القصائد دافئ، وبعضها مجنون، هادئ كالنسيم، هادر كالموج، عاصف كالرياح، كريم وغدار كالبحر.. لو لم تكن المرأة لما كانت القصيدة ولا كان الشاعر ولا كانت الحياة..

لو قدر لي أن أكون شاعرا لليلة واحدة، لصرت شاعر القصيدة الواحدة.. أمشط لها شعرها بأهداب عيني، أمسح عنها الحزن بكلماتي، أخضب يديها بحناء من دمي الجاف، وألون خديها بالغزل، ومن شفتيها أعصر خمري..

لو قدر لي أن أكون شاعرا لليلة واحدة، لسبيت كل القصائد، ليصبحن وصيفات قصيدتي الوحيدة.

الجريدة الرسمية