رئيس التحرير
عصام كامل

"جوته" متحدثًا عن انتحار فتاة المول

انتحار فتاة عبر إلقاء نفسها من الطابق السادس في أحد المولات بمدينة نصر حادث مؤلم ولكن زاد أوجاعه عدم أمانة واحترافية من قاموا بتسريب مشاهد كاميرات المراقبة التي سجلت لحظة الانتحار لتنتشر عبر المواقع الاجتماعية قبل أن تتسلم "التريند" بعض المواقع الإخبارية التي حولت بدورها المأساة إلى فرصة مثيرة لجلب المزيد من الزيارات لمواقعهم الإلكترونية عبر عناوين تفتقد للإنسانية والأخلاق من نوعية (شاهد لحظة سقوط فتاة المول) أو (تعرف على تفاصيل انتحار فتاة المول).. 

 

 

عشرات العناوين والفيديوهات التي ضجت بها هذه المواقع حتى تذكرت رواية "آلام فيرتر" ليوهان جوته حينما مر البطل بمعاناة بسبب حبه لشارلوت التي تزوجت من صديقه المقرب "ألبرت"، وبعدما فقد حبيبته يفشل "فيرتر" في التعايش مع آلامه، ويقرر أن يُنهي حياته بأن يطلق الرصاص على نفسه!

في القرن الثامن عشر كانت هذه الرواية أحد أسباب انتشار موجة من الانتحار بين الشباب في أوروبا لدرجة إنه عُثر بجوار بعض المنتحرين على نسخ من رواية "آلام فيرتر" بعد أن ارتدى بعضهم ملابس تشبه أزياء بطل الرواية -كما وصفها جوته- مستخدمين سلاحًا مشابهًا لما أنهى به البطل حياته!

رسالة سلبية

هذا الأمر جعل بعض المختصين يطلقون لفظ "تأثير فيرتر" عند حدوث حالات انتحار نتيجة تقليد أحد المنتحرين والاقتداء به وذلك من منطلق أن الانتحار يتسم بقدرته على العدوى والانتشار التي تزداد كلما كثفت وسائل الإعلام من تغطيتها لحوادث الانتحار بطريقة توحي بأنه أمر يمكن استحسانه كوسيلة للهروب من المشكلات.

 

في ظني أن من قاموا بالانتحار غالبًا افتقدوا فحسب لمن يستمع لهم.. بحثوا عمن يرغب في الإصغاء دون إصدار للأحكام عليهم.. دون تضخيم للمشكلات أو تهوين منها.. وهو نفس ما احتاجته فتاة المول!انتحرت الفتاة الصغيرة، وللمفارقة بعد أيام قليلة من الاحتفال باليوم العالمي لمنع الانتحار، لتتعامل بعض وسائل الإعلام المصرية مع الحادث عبر تقديم رسالة سلبية لكل من أرهقتهم الحياة مفادها انتحروا للتخلص من مشاكلكم وسوف تتحولون إلى نجوم تسطع في المواقع والجرائد المختلفة بدلًا من تخصيص مساحات إعلامية أكبر لدراسة ظاهرة الانتحار، والتوعية بكيفية الكشف عن حالات الاكتئاب والميل للانتحار، وطرق التعامل النفسي معها أملًا في انقاذ ضحايا آخرين حطم الحزن قلوبهم قبل إقدامهم على إنهاء حياتهم.

 

أطالب وسائل الإعلام بمعالجة حوادث الانتحار وفق مبادئ أخلاقية وليس سعيًا وراء الضجة والتريند وجلب المزيد من الزيارات لمواقعهم الإلكترونية بجانب أهمية إطلاق حملات للتوعية بكيفية الوقاية من الانتحار بعد دراسة هذه الظاهرة من كافة النواحي النفسية والاجتماعية.

الجريدة الرسمية