رئيس التحرير
عصام كامل

موسم الهجرة للأزهر

في سابقة لم تحدث في تاريخ التعليم المصري منذ تم تقسيمه إلى تعليم ديني وتعليم مدني لأهداف في غالبيتها لا تخرج عن تقسيم المجتمع المصري بين متدين برخصة أو شهادة، ومتدين بغيرها أو غير متدين من الأصل، لضرب وحدة المجتمع، وليس هذا المقام مقام الحديث عن سلبيات ذلك التقسيم على مصر، ولكن منذ أن تم ذلك التقسيم وصار هناك تعليم ديني متمثلا في الأزهر ومعاهده وجامعاته، وتعليم مدني متمثلا في وزارة التربية والعليم، والمصريون يفضلون التعليم العام لأسباب عديدة، لعل أبرزها وأقواها صعوبة المواد الأزهرية متمثلة في حفظ أجزاء كثيرة من القرآن الكريم، مع بعض مواد الشريعة والفقه، كل ذلك بجانب المواد العلمية التي يدرسها طلاب التعليم العام..

 

فصار غالبية المصريين يفضلون التعليم العام، خاصة وأن مدارسه منتشرة في كل مكان بعكس المعاهد الأزهرية المحدودة، كما أن فرصة التعليم العام في دخول كافة الكليات والجامعات متسعة بالمقارنة بجامعة الأزهر، ورغم السعي الحثيث والناجح من مشايخ الأزهر المتعاقبين لتيسير أمر مناهج الأزهر، ونجاحهم في ذلك خاصة في ظل القيادة الحكيمة والمتزنة والناجحة لفضيلة الإمام شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب الذي ما يفتأ يبذل جهدا عظيما للارتقاء بالأزهر، وتيسير أموره ومناهجه والابتعاد بسفينة الأزهر عن أنواء التدمير التي تحدث في التعليم العام بقيادة الوزير طارق شوقي.

إقبال على التعليم الأزهري

 فإن ما يشهده الأزهر حاليا من الإقبال الكبير عليه من الطلاب، سواء في بداية الحياة التعليمية أو نقلا من التعليم العام لا يعود لتحسين مناهج الأزهر بالمقام الأول فذلك التحسين بدأ منذ عام 2014 ووقتها شهد الأزهر هروبا كبيرا من الطلاب بعد أن خرجت نتيجة الأزهر وقتها بنسبة 28 %، وظل عكوف أولياء الأمور على الأزهر حتى قبض وزير التعليم الحالي الدكتور طارق شوقي على زمام وزارة التعليم، وقام بما أسماه تطوير التعليم ففوجئ أولياء الأمور بأن ذلك التطوير المزعوم ما هو سوى تدمير مقصود، فلم تتغير المناهج وظلت كما هي يدرسها الطلاب ثم لا يمتحنون فيها..

 كما أن التطوير لم يأتي سوى في نظام امتحاني بطريقة الاختيار من متعدد دون أن يعبر الطلاب عن نفسه وما تعلمه بالكتابة، كما أن ذلك النظام الامتحاني جاء بأسئلة مثل الفوازير فقط دون ان يكون خلفها مغزى تعليمي، ويجد الطالب في المرحلة الثانوية أنه لم يحصل أي معلومة مفيدة وأنه عاش سنواته الثلاث في حيرة شديدة من أمره، كما هو الحال مع طالب الابتدائي الذي وفق النظام الجديد يظل ثلاث سنوات لا يمتحن ولا يتعلم القراءة والكتابة ومن الممكن أنه في السنة الرابعة يكون قد أخفق في تعلم القراءة والكتابة ما دام انه ينتقل أليا للصفوف الأعلى دون امتحان، ولا يوجد ما يجبر معلم الفصل على تعليمه القراءة والكتابة، وإنما يتابعه في النشاط، ووجد طالب الاعدادي نظام التعليم المقلوب؛ بمعنى أنه يتعلم في المنزل من خلال القنوات التعليمية والمنصات أما في المدرسة فيراجع فقط ما تعلمه في المنزل، ولا يسمح للمعلم بتقديم الشرح له إلا إذا كان ذلك في المجموعات المدرسية نظير المال.

فشل التعليم العام

 وظهر الفشل منذ إطلاق النظام الجديد للتعليم 2018 – 2019، وبدء امتحانات طلاب الصف الأول الثانوي، وما شهدته تلك التجربة من حالة جدل بسبب وقوع سيستم التابلت، وغياب الإنترنت عن بعض المدارس، وعقب إصدار وزارة التربية والتعليم نتيجة الصف الثاني الثانوي للعام الدراسي 2019/2020، حيث جاءت بشكل جديد لم يعتد عليه الطلاب من قبل وهو ما سمي بالنتائج الملونة التي كانت فيها نسبة الرسوب مرتفعة، قبل أن يخرج الدكتور طارق شوقي بتصريحات تؤكد تعديل نتيجة الامتحانات وتغيير الرابط الخاص بكشوفات النتيجة..

 وفي مايو من العام الحالي، أفضت أخطاء تطبيق النظام الجديد في الثانوية العامة إلى قرار حكومي بسحب مشروع بتعديل قانون التعليم والمعروف بـ"قانون الثانوية العامة الجديد"، قبل مناقشته في مجلس النواب. وقبل خطوة سحب مشروع تعديل قانون التعليم قبل مناقشته في النواب، رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون بتعديل قانون التعليم بشأن نظام الثانوية العامة، ووصفت الخطوة بأنها أسباب موضوعية، كان أبرزها أنه يركز على التقييم ونظم الامتحانات وليس تطوير التعليم أو المناهج ذاتها، ثم الابتعاد عن فكرة الكتاب المدرسي والاتجاه بشكل مبالغ فيه للتعليم الإليكتروني، وهذا لن يؤدي لحدوث درجة كبيرة من التحصيل والتدريب والتعلم للطلاب، ناهيك عن المشكلات التي حدثت خلال الامتحانات، على رأسها أنها لم تقض على الغش، وحدثت العديد من الوقائع في تسريب الامتحانات وذكرها الوزير طارق شوقي بنفسه أمام مجلس الشيوخ.

كل هذه الأحوال من الإخفاقات والفشل، ونتيجة الثانوية العامة المخيبة للآمال جعل أولياء الأمور يولون وجهتهم قبل الأزهر؛ لأن التعليم فيه لا زال على حاله دون تدمير، وقد أجمع هؤلاء على الخوف والقلق والتخبط والمعاناة وعدم إظهار المستوى الفعلي للطالب في التعليم العام وخاصة بنظام الامتحانات، في المقابل ثبات الدراسة ونظام الامتحانات الواضح دون مواربة -رغم ثقله- في الأزهر الشريف..

 فهم يروونه أنه المخرج والمهرب من المعاناة. فالطالب يدرس مواد معينة ثم يمتحن فيها بالطريقة المعتدلة، ويثبت اجتهاده وتفوقه، لذا كان الهروب الكبير من فشل منظومة التعليم العام على يد الدكتور طارق شوقي، والغريب في الأمر أن لا أحد يلتفت لهذا الفشل ولا لعدم رضاء أولياء الأمور عن النظام التعليمي المدمر، ويصر الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء على أن يظل طارق شوقي على رأس المنظومة يفعل بها ما يشاء، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الجريدة الرسمية