رئيس التحرير
عصام كامل

نشيد الحب وتراجيديا أسرة البهجة

لم يحدث أن تصدر فنانًا عربيًا ترند الميديا على اختلافها في جميع الدول العربية لأيام متتالية مثلما حدث مع الثنائي الكبير سمير غانم وزوجته دلال عبدالعزيز، فحجم المحبة والاحترام والتقدير لهما يفوق الوصف كما الصدمة تمامًا، فضلا عن التعاطف غير المحدود مع ابنتيهما دنيا وإيمي والدعاء لهما، والإشادة أيضا برجولة ومواقف وصلابة رامي رضوان وحسن الرداد، ففي الشدة تظهر المعادن، وكما قال الله في كتابه الكريم "الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ"، وقد أنعم الله على دنيا وإيمي بزوجين من معدن أصيل، ومحبة شعبية وفنية جارفة استمداها من محبة واحترام الناس لوالديهما وحسن تربيتهما لهما، انعكست المحبة على الالتفاف حولهما والتعاطف معهما في مصابهما الجلل، الجميع يدعو لهما بالصبر وأن يربط الله على قلبيهما، ويرحم والديهما ويغفر لهما.

 حين شاركت إيمي أول صورة لوالديها مرفقة بالتعليق "رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"، نالت سريعا نحو 450 ألف إعجاب، و34 ألف تعليق، ولما شاركت بعدها دنيا صورتها مع والدتها مرفقة بتدوينة من القلب عن الإحساس باليتم وحمدت الله على كل شئ، حقق البوست في غضون ساعات 750 ألف إعجاب، و18 ألف تعليق، وكأن الجمهور في كل مكان يترقب أي كلمة منهما كي يطمئن عليهما ويشعرهما بمحبته وانه معهما لن يتركهما ويقدر وقع الصدمة وقسوة الفقد عليهما، إذ رحل والديهما النجمين الكبيرين في أقل من ثلاثة أشهر، وبالمرض ذاته بعد معاناة كبيرة، وكتما الحزن والدموع على وفاة والدهما لكي لا تعرف والدتهما برحيله خوفا على حالتها النفسية وتراجع صحتها وهما يعرفان تماما مدى حبها له منذ 40 عاما، فأي ضغط نفسي وعصبي تحملته دنيا وإيمي سمير غانم ومعهما رامي رضوان وحسن الرداد، لدرجة عدم التعبير عن الحزن أو البكاء على فراق أعز الناس؟!.

نشيد الحب

كم كان الله رحيمًا بالفنانة الكبيرة دلال عبدالعزيز، ولطف بها، فهي من فرط حبها لزوجها الفنان الراحل سمير غانم لم يكن بمقدورها العيش بدونه لو قدر لها الحياة، فلحقت به بعد أقل من ثلاثة أشهر، وهو ما عبر عنه رامي وحسن عند إعلان وفاة حماتهما، فقال الأول ""أطيب وأحنّ قلب في الدنيا حبيبتي النجمة دلال عبدالعزيز محبتش تسيب حبيبها لوحده وراحت له الجنة"، وقال الثاني "عايز أقولك هتلاقي مفاجأة حلوة مستنياكي، هتلاقي حبيب عمرك اللي طول الوقت بتسألي عليه.. هتوحشينا قوي يا أمي".. كما تعكس وفاة دلال عبد العزيز مضمون أغنية "نشيد الحب" لنجمة الغناء الفرنسي إديت بياف، عن حالات وصنوف الحب وأنّ الله يجمع شمل المحبين مهما باعدت بينهم الأيام والمسافات.

 

تميزت الفنانة الكبيرة دلال عبد العزيز، بموهبة لافتة وتلقائية الأداء وبساطته، وأهم من هذا خلق رفيع وتواضع جم، وشغف غير محدود بالعلم جعلها تدرس الإعلام والأدب الإنجليزي وتتخصص فيهما بخلاف تخصصها الأساسي في الزراعة، إلى جانب اجتهادها في عملها ورعاية أسرتها والحفاظ على بيتها، مع حنو كبير وإغداق على الجميع من تعرفه أو لا تعرفه، لذا غصت منصات "الميديا" بمئات المواقف والحكايا عن مناقب وعطاء وإنسانية دلال وقصة حبها الخالدة لزوجها الفنان الكبير سمير غانم، استوقفني منها اثنين جديرين بالتوثيق.

مواقف إنسانية

شهادة حق عن الفنانة الراحلة أدلت بها الفنانة الكبيرة لبنى عبدالعزيز، قائلة: "بعد عودتي من الولايات المتحدة صادفت دلال عبد العزيز وشكوت من عدم سؤال أحد عني، فوجدتها تسأل عني باستمرار واقتربنا كثيرا من بعضنا، والحقيقة كانت تلح في معرفة طلباتي، وتسألني لو محتاجة حاجة، وكريمة جدا في سؤالها عني، ولما عرفت عن تكريمي في الجامعة الأمريكية وعدتني انها ستحضر ومعها ابنتيها دنيا وإيمي والفنانة ميرفت أمين، كنوع من الدعم والمساندة لي، لكن  للأسف لم تتمكن من الحضور، فقد اتصلت بي قبل حفل التكريم بيوم تعتذر عن الحضور لإصابتها بفيروس كورونا".

الموقف الثاني شاركته هبة يسري، مخرجة مسلسل "سابع جار"، عبر "فيسبوك"، لإثبات أن الفنانة دلال عبدالعزيز، تمكنت من الحفاظ على إنسانيتها وأمومتها ولم تغيرها الشهرة ونجومية الفن كغيرها، قائلة: "خلال التصوير في مصر الجديدة تواصل مع الفنانة دلال عبد العزيز شخص ما يسألها عن المكان، ووقتها قالت أن هناك فتاة تريد رؤيتها بعدما توفيت والدتها. بعد فترة جاءت فتاة بسيطة محجبة تحمل رضيعا لا يتجاوز عمره 3 أشهر، وعندما رأت الفنانة دلال عبد العزيز بكت بشدة فأخذتها دلال في حضنها تطبطب عليها والبنت تعتذر مكسوفة، ودلال تقولها ابكي ولا يهمك، وتدعيلها وقالتلها ما أنا كمان ماما. وحرصت الفتاة أن ترى الفنانة دلال عبد العزيز مولودتها التي لم تستطع والدتها رؤيتها، ولم تتردد الراحلة لحظة عن فعل ذلك، وشكرتها الفتاة على استقبالها في مكان عملها، وطلبت مني أن أصورهم معا وغادرت البنت البسيطة مكان التصوير فرحانة ومبسوطة باستقبال دلال عبد العزيز لها وترحيبها بها، وهذه قدرة منحها الله لها كي تسعد الناس وتحظى بمحبتهم، وهي ان لم تتحدث عن هذا تستحق الآن أن يعرف الناس كم هي إنسانة نادرة". 

أرشيف بنت الأصول

يضم أرشيف بنت الأصول الجميلة المعطاءة، وصاحبة الواجب الفنانة دلال عبد العزيز، عبر مشوارها الطويل، عشرات الأعمال التي حظيت بنجاح كبير وستظل في الأذهان، لكن تداولت الميديا آخر مشاهد شخصية "عطية" في مسلسل "ملوك الجدعنة"، الذي عرض في رمضان الماضي، إذ ودعت ابنها، ثم نظرت إلى السماء وظلت تكبر وتهلل وابتسمت لترحل في هدوء.. واعتبر الجمهور أن مشهدها الدرامي يعكس آخر لحظاتها في الحياة وهو الموت، متمنيا أن تكون أسلمت الروح إلى بارئها راضية مطمئنة مبتسمة.

 

في موازاة مشهد الوفاة بمسلسل "ملوك الجدعنة"، تداولت المنصات مقطع مؤثرا للفنانة دلال عبد العزيز، عن الموت وفراق الأحبة، كاشفة سبب تفضيلها العزاء على الأعراس والحفلات، وقالت: "والدتي كانت تقول لي دائما، لا بد أن تشاركي في أي واجب عزاء، وإذا كان هناك حفل أو عرس اتركيه واذهبي العزاء، والحقيقة هذا الأمر كان يزعج زوجي سمير غانم، لذلك كان يناديني عزاء عبدالعزيز". وأضافت: "قديما كان الموت قليلا وهناك فرق زمني بين الوفاة والأخرى، لكن الآن الموت كثير وفراق الأحبة أكثر، خصوصا فراق الأم أصعب بكثير. وشخصيا عندما أعلم أن شخصا فقد أمه أو أي إنسان عزيز عليه، أتمنى أن أحضنه وأطبطب عليه، وقديما إذا توفي شخص كنا نغلق التلفاز فترة كنوع من الأصول واحتراما لحرمة الموتى".

واختتمت: "إذا مات الأب يقال (مات الشخص الذي يكرمك من أجله الناس وإذا ماتت الأم مات الشخص الذي يكرمك من أجله الله عز وجل)، أنا دائما كنت أبكي في عيد الأم وماما ما زالت حية أكثر من وفاتها لأني كنت دائما أحمل هم وفاتها".

سنوات طويلة كان فيها الفنان سمير غانم وزوجته دلال عبدالعزيز، عنوانا الحب والفرح، وامتدت مسيرة البهجة والنجاح إلى ابنتيهما دنيا وإيمي، لتنقلب الحال إلى "تراجيديا" بوفاة الفنان الكبير سمير غانم وتتبعه الفنانة دلال عبدالعزيز بعد أسابيع قليلة دون أن يودع أحدهما الآخر أو حتى يبكي عليه، وتحرم دنيا وإيمي من التعبير عن حزنهما على والدهما خشية تدهور صحة والدتهما، لكن العزاء والمواساة في المحبة غير المسبوقة والمشاعر الفياضة من العالم العربي كله، والدعاء بأن يمنحهما الله الصبر ويربط على قلبيهما ويعيد إليهما البهجة في قادم الأيام.

الجريدة الرسمية