رئيس التحرير
عصام كامل

سوريا وسيناريوهات مستقبل المقعد الفارغ في الجامعة العربية.. روسيا تنصح بعودة دمشق.. وتحركات بايدن تعجل بانتهاء القطيعة

شعار سوريا داخل جامعة
شعار سوريا داخل جامعة الدول العربية
«موسكو تتحدث.. وعواصم العرب تلتزم الصمت».. هكذا تجري الأمور فيما يتعلق بملف عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عبر مؤخرًا عن قناعته بأن عودة «دمشق» إلى الجامعة العربية واستعادتها مقعدها الشاغر من شأنه أن ينعكس إيجابيًا على الظروف في منطقة الشرق الأوسط.


روسيا تنصح بعودة دمشق
الوزير الروسي، لم يقف عند حد «حديث القناعة»، لكنه سارع وتحدث أيضًا عن ضرورة بلورة موقف جماعي عربي حول ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

مشددًا على أن تلك الخطوة ستلعب دورًا في استقرار الأوضاع في هذه المنطقة برمتها، مثلما لعبت استعادة وحدة مجلس تعاون دول الخليج العربية مؤخرًا دورًا إيجابيًا جدًا أيضًا في هذه العملية.

حديث الوزير الروسي رأه مراقبون مؤشرًا على تحركات روسية من أجل إعادة سوريا إلى مقعدها العربي بعد سنوات عديدة من الغياب.

وفي هذا السياق قال الدكتور إسماعيل تركي، الباحث في العلاقات الدولية: لا يوجد عربي واحد لديه وعي بأهمية الأمن القومي العربي أو ما تبقي منه، إلا ويتمنى عودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية.

دعم سوريا
وأن تتضافر الجهود لدعم العمل العربي المشترك، ومساعدة سوريا للخروج من عثراتها، فقد تم تعليق مقعد سوريا بعد قرار وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة أواخر نوفمبر 2011، لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية.

ومؤخرًا تعددت المطالبات بعودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، من بعض الدول العربية على رأسها مصر وأخيرًا الإمارات.

«تركي» أضاف: تأكيد وزير الخارجية الإماراتي، على ضرورة التعاون الإقليمي لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها العربي، وكان ذلك خلال مؤتمر صحفي جَمعه مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، ومعروف لدى الجميع مدى الدور الروسي المؤثر في الأزمة السورية، فحينما يتفق طرف فاعل كروسيا مع مصر والإمارات على ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية يبدأ العمل مع الأطراف المعنية من أجل إنجاز مثل هذه الخطوة مع السوريين أنفسهم ومع الدول العربية وبعض الدول الفاعلة في الملف كإيران وتركيا.

ورغم التحديات والعقبات التي تواجه سوريا، لكن المصلحة السورية ومصالح المنطقة العربية بالكامل تحتم أن تكون هناك إرادة سياسية لدى كل الأطراف للعمل على عودة سوريا وتعزيز ملف التكامل العربي.




العودة ضرورية
وتابع: الوقت قد حان والضرورة أصبحت ملحة من أجل عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية، وأن يكون للدول العربية موقف واضح في إيجاد حلول سياسية للأوضاع المتأزمة هناك، وأن يتم العمل مع الأطراف العربية لمحاولة ملء الفراغ الحاصل في سوريا بدلًا من أن تتولاها دول أخرى تسعى لمصالحها بعيد عن مصلحة السوريين أنفسهم ويشكل تدخلهم وتواجدهم على الأراضي السورية تهديدًا لوحدة الأراضي السورية.

الدور المصري
ويزيد من تعقيد الأزمة ويهدد الأمن القومي العربي، فوجود أطراف عربية فاعلة في الأزمة السورية يزيد من حل الأزمة والسير قدمًا في مسار سياسي يحفظ وحدة الأراضي السورية وسيادتها.

رأينا ذلك في الدور المصري النشط في الأزمة الليبية، فتدخل مصر الإيجابي في الملف الليبي ساعد الليبيين للسير قدمًا في المسار السياسي السلمي وتوقف القتال بعد عدد من الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس السيسي للأطراف المتنازعة والمليشيات المتحاربة، وتم تشكيل حكومة ليبية واحدة في مرحلة انتقالية للوصول لحل سياسي شامل بانتخابات نهاية العام.

«تركي» في سياق حديثه شدد على أنه يجب على الدول العربية أن تتدخل بشكل إيجابي واضح في الملف السوري، وأن توفر مظلة وحماية عربية لسوريا تساعدها على الخروج من عثرتها وأزماتها وفي الحفاظ على وحدة أراضيها وفرض سيادتها على كل التراب السوري بعيدا عن التدخلات الخارجية.

حيث إن الأزمة السورية من أكثر الأزمات تعقيدًا وتشابكًا، بالنظر إلى تواجد قوات عسكرية لعدة دول على أراضيها، وتدخل العديد من الدول ودعم أطراف عديدة على الأرضي السورية ومن ثم يجب التكاتف لمساعدتها، فعودة سوريا للجامعة العربية يأتي كأحد وسائل حماية الأمن القومي العربي، ومساعدة سوريا ومواجهة التدخلات الإيرانية والتركية بشكل خاص في المنطقة.

الضغوط الدولية
وأكمل: بالنظر إلى كم الضغوط على بعض الأطراف المتداخلة في الأزمة أري أن عودة سوريا لجامعة الدول العربية من الممكن أن تكون في القريب، فتركيا تواجه ضغوطًا وعزلة شديدة من الدول العربية والدول الأوروبية بسبب سياستها في بعض الملفات يأتي على رأسها الملف السوري والليبي وملف شرق المتوسط وأزمات اقتصادية ومعارضة داخلية وإيران التي تواجه عقوبات شديدة من الولايات المتحدة وتهديدات إسرائيلية وضغوط اقتصاديه داخلية وخارجية.

وتفهم روسيا لضرورة الحل السلمي في سوريا، إضافة إلى عودة السياسة النشطة لعدد من الدول العربية على رأسها مصر والإمارات والسعودية واتفاق الجميع على ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والذي صدر بالإجماع بتاريخ 18 ديسمبر 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للوضع في سوريا، وهو ما يسهل على هذه الدول إذا صدقت النوايا وكان التدخل إيجابي لصالح الحل السلمي.

بشار الأسد
الباحث في العلاقات الدولية، أوضح أيضًا أنه في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، التي يتوقع إجراؤها في أبريل المقبل، والتي يحاول النظام السوري بسببها تسريع خطواته في تهدئة التوترات بالمناطق الجنوبية ومحاولة فرض السيطرة على كافة المناطق، فإن مسألة التسوية السياسية الشاملة في الأسابيع القليلة أمر في غاية الصعوبة.

ويتوقف على رغبة وأهداف الدول الكبري روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يري أن بإمكانه المضي قدما بتجاه عملية تسوية سياسية شاملة في الأراضي السورية عبر التنسيق مع كافة الأطراف سوريا إيران تركيا وحتى إسرائيل والتوصل لتفهمات معينة تقود هذه التسوية للنجاح وحصد نتائجها سياسيا ثمرة لنجاح الدور الروسي منذ تدخله في الأزمة بشكل كبير.

جو بايدن
على الجانب الآخر تأتي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تولي اهتمامًا كبيرًا بالأزمة السورية عكس إدارة ترامب التي ترددت كثيرًا في هذا الملف، ويري بايدن أن نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في التفرد بملف التسوية السياسية في سوريا هو أحد أهم المواقف التي تعلن للعالم عن عودة الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة العالم من جديد.

لذا يجب على الدول العربية العمل بشكل كبير مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الأزمة السورية للوصول لتسوية سياسة شاملة تحفظ وحدة أراضيها وفرض سيادتها على كامل التراب السوري وتحفظ أرواح السوريين في أقرب وقت ممكن.

من جهته قال المحلل السياسي الروسي سلمان شبيب: الموقف الروسي ليس جديدًا فهي كانت تدعو دائمًا إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتؤكد أهمية ذلك بالنسبة إلى سوريا وللدول العربية، وكانت هناك محاولات روسية متواصلة في هذا المجال وتقريبًا في كل اللقاءات والاتصالات التي كانت تقوم بين روسيا والدول العربية كان يطرح هذا الموضوع لقناعة روسيا بأن عودة سوريا إلى الجامعة لو حصلت ستساعد كثيرا في تسهيل الوصول إلى تسوية للأزمة السورية.

وتعيد ترتيب العلاقات بالمنطقة بما يخدم أمن واستقرار دولها ويخدم المعركة ضد الإرهاب، ويخفف من الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها الشعب السوري لكن هذه الجهود كانت تحبط نتيجة التعقيدات بالمشهد السوري والتأثيرات السلبية للظروف الإقليمية والدولية وخاصة الضغوط الأمريكية الهائلة التي ترجمت بشبه فيتو أمريكي وخاصة في عهد إدارة ترامب.

توقيت مناسب
وأضاف: اليوم تبدو الأمور إلى حد ما أفضل والأجواء مناسبة أكثر، وهناك دعوات من كثير من الدول العربية بدأت ترتفع تطالب بذلك، والموقف المتوازن والمؤثر لكل من مصر والجزائر سيكون له دور كبير في تسهيل هذه العودة.

«شبيب» أعرب عن تأييده للرؤية الروسية بضرورة عودة سوريا إلى الخجامعة العربية، بسبب مدى الضرر الذي الحقته العزلة التي فرضها العرب على سوريا بسوريا والشعب السوري والأمن القومي العربي وبكل مفاصل العمل العربي المشترك وكان المستفيد من ذلك هم أعداء العرب والإرهاب وقلَّل من إمكانية مساهمة دول عربية أساسية في مساعدة سوريا على الخروج من محنتها وهذا ما ترك مرارة كبيرة عند السوريين واوجد فراغا استغله قوي إقليمية لا تخفي أطماعها في الدول العربية.

وأوضح أنه رغم المؤشرات الإيجابية التي برزت خلال الفترة الأخيرة وخاصة خلال زيارة وزير الخارجية الروسي إلى دول الخليج والمواقف التي تم التعبير عنها خلال الزيارة من التأكيد على وحدة وسيادة سوريا وضرورة العمل للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، نتمنى أن تترجم هذه المؤشرات بخطوات عملية.

تسوية سياسية سورية
مضيفًا أننا ما زلنا بعيدين إلى حد ما عن الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة التي تعصف بسوريا منذ عشر سنوات التي تحتاج إلى تفاهمات كبيرة تحررها من الارتباط بملفات إقليمية كبيرة كالملف النووي الإيراني، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت وتبلور المقاربة الأمريكية الجديدة التي لم تتوضح بعد وهذا يبعد الأمل بإمكانية الوصول إلى حل قبل الانتخابات الرئاسية القادمة التي يفترض أن تجري قبل الشهر السادس.

وتابع: نأمل من كل الأطراف والقوى الفاعلة الإسراع بالحل خاصة وأن هناك خارطة طريق وافق عليها المجتمع الدولي ممثلًا بمجلس الأمن بالإجماع وهي القرار 2254 الذي يضمن برأينا حلًا متوازنًا ومعقولًا وننتظر من الدول والشعوب العربية الوقوف مع الشعب السوري للخروج من محنته وإنهاء معاناته والمطالبة برفع العقوبات الظالمة التي تفتك به.

من ناحيته، قال المحلل السياسي السوري، باسل خضور: الحديث في الآونة الأخيرة كثر عن المصالحات العربية مع سوريا ورغبة بعض الدول وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر بعودة سوريا إلى الجامعة العربية مع حل سياسي للحرب على سورية، إلا أن السوريين ينظرون بعين الريبة.

لا سيما أن هذه الدول لم تصرح بشكل واضح وصريح بدعم الحكومة السورية ضد الميليشيات الإرهابية، وسوريا رغم كل آلامها من الدول العربية فإنها لم تبتعد يوما عن إيمانها ببعدها العربي وعمقها الإستراتيجي المتمثل بتحالف (س، م، س) الذي يضم سوريا ومصر والمملكة العربية السعودية، ولطالما استنكرت عدم قيام العرب بواجبهم الأخوي تجاهها وهي التي وقفت معهم في كل مصائبهم ومحنهم دون تردد.

تجميد العضوية
«خضور» أشار إلى أن «سوريا لم تخرج من الجامعة العربية ولم تنسحب وما زال كرسيها شاغرًا على الطاولة، وعلمها يرفرف أمام مبنى الجامعة، وما حدث من تجميد عضويتها في الجامعة العربية تم تحت ضغط غربي، لذلك تعتبر عودة سورية إلى الجامعة بمثابة عودة الوعي والرشد إلى العرب، وخاصة إذا استكملت هذه الدعوات بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.

أما ما سمي بالتسويات السياسية في سوريا فهو أمر قد طواه الزمان مع القرار ٢٢٥٤ الذي تعتبره سوريا باطلًا لعدم مشاركتها في صياغته، كما أن سوريا التي لم تتنازل عن سيادتها في أصعب سنين الحرب لن تقبل الآن بعد أن استردت زمام المبادرة، وقضت على معظم الإرهاب على أراضيها التخلي عما قدمت لأجله خيرة شبابها، والتسوية الوحيدة المقبولة اليوم لسوريا هي عودة كافة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق ووقف كل أشكال دعم الإرهاب على أراضيها والرفع الفوري للعقوبات الظالمة والحصار الجائر عليها».

المحلل السياسي الروسي دينيس كوركودينوف، أكد أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لا تزال صعبة بسبب عدم وجود إجماع على أن مثل هذا الإجراء ضروري حقًا لضمان الأمن الإقليمي، ولا تزال قطر والمملكة العربية السعودية تعارضان بشكل قاطع إعادة دمشق عضويتها في الجامعة العربية.

وأوضح المحلل الروسي خلال حديثه لـ«فيتو»، أن مثل هذه الشروط غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة لدمشق، وفي هذا الصدد، قال رئيس الخارجية السورية، وليد المعلم، في سبتمبر 2018: إن "سوريا ستحل موضوع إعادة عضويتها في الجامعة العربية بعد أن تفتح دول الجامعة العربية الباب أمام دمشق"، وقد أكد هذا الرأي رسميًا بشار الأسد في ديسمبر 2018 خلال لقاء مع نظيره السوداني عمر البشير، ثم أشار الرئيس السوري إلى أنه في الوقت الحالي لا توجد شروط موضوعية لعودة دمشق إلى الجامعة.

وأوضح أن مسألة إعادة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية يحتمل أن تُطرح على جدول الأعمال من جديد عشية الانتخابات الرئاسية السورية، وعلى أقل تقدير ، ستحاول الرياض والدوحة استخدام هذا الموضوع كأداة ابتزاز تهدف إلى تشجيع الناخبين السوريين على التصويت ضد بشار الأسد مقابل عودة سوريا، على الرغم من أن مثل هذا الابتزاز ربما لن يؤدي إلى أي نتائج.

وأضاف أنه من غير المرجح أن تتمكن دمشق الآن من تحسين وضعها الاقتصادي والعسكري والسياسي بشكل كبير من خلال استعادة مشاركتها في الأسرة العربية.

لكن من وجهة نظر رمزية، فإن مشاركة سوريا في الجامعة مهمة للغاية بمعنى أنها قد تشير إلى تجدد ثقة الدول العربية في بشار الأسد والسياسات التي ينتهجها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستشير إلى عودة دمشق الرسمية إلى مستوى ما قبل الحرب المتمثل في التمركز الدولي.

وأشار إلى أنه عشية الانتخابات الرئاسية ، قد تحاول المعارضة السورية ودمشق استئناف الحوار المباشر مع بعضهما البعض من أجل مناقشة الأدوات الفعالة لتسوية سياسية للأزمة وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي والفردية.

ومع ذلك ، فإن إجراء حوار بناء سيكون معقدًا بسبب عدد من الظروف، من بينها عدم وجود حل وسط بشأن التغييرات في التوصيات العامة القائمة والمعتمدة دوليًا لتسوية سياسية في سوريا.

ومن المشاكل الرئيسية أيضًا حقيقة أنه في شمال شرق سوريا، لا يزال هناك احتمال بوقوع اشتباكات عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، ومن المتوقع أيضًا زيادة النشاط الإرهابي في محافظة إدلب في ظل هذه الظروف، لا ينبغي توقع تقدم حقيقي في عملية التسوية لأن عدم وجود قرار موحد بشأن سوريا يجعل من غير الضروري تنفيذ أي إجراءات تهدف إلى ضمان الاستقرار، وقد تتعطل الاتفاقات القائمة في أي وقت.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية