رئيس التحرير
عصام كامل

فكرة الشرعية فى الفقه الدستوري الحديث


لا أعرف إلا الإخوان وأن باترسون فى مصر- وكلاهما ليس مرجعا فى الفكر الدستورى- ممن يدعون أن شرعية النظام السياسي تقوم على الانتخابات فقط لا غير، وأنه يكفى النجاح فى الانتخابات ( بغض النظر عن ظروف هذا النجاح المزعوم) حتى تقوم الشرعية الديمقراطية للنظام السياسي. 



بغض النظر عن الاستقطاب الحزبى الذى يحتدم فى الحياة السياسية المصرية الآن فلا يوجد محلل سياسي أو فقيه دستورى أو أستاذ فى كلية حقوق أو حتى نظام سياسي فى العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يساند هذه الفكرة اليوم اللهم إلا الإخوان وتوابعهم . 

إن فكرة الانتخابات كعنصر وحيد للشرعية ليست فقط فكرة عفا عليها الزمن بل هى فكرة لم يعد لها وجود مطلقا فى الفكر الدستورى الحديث.. لأنها نشأت إبان الثورة الفرنسية فى القرن الثامن عشر مع فكرة سيادة الأمة .. ولما اكتشف الفرنسيون مخاطر هذه الفكرة وما أدت إليه من مذابح على يدى روبسبير تم تصحيحها .

على أن العدول الكامل عنها لم يتحقق إلا بعد أن رأينا الآثار الخطيرة المترتبة عليها من ٣ دكتاتوريات أوربية وكانت كلها وليدة انتخابات.. ومن هنا لم تكتف الديمقراطيات بالانتخابات لتقيم شرعيتها وإنما كان من اللازم أن تضيف عناصر جديدة على فكرة الشرعية حتى تكتمل وهى: 

أولا: لا شرعية بلا مشروعية 
ومفاد ذلك أن مطابقة أعمال السلطات العامة للقواعد القانونية والمبادئ الدستورية العامة هى شرط أساسي لازم لمشروعية أعمالها.. والانتهاك الجسيم لأى من هذه المبادئ يسحب الشرعية فورا من الجهاز المنتخب ويصيب فى مقتل مشروعية قراراته.. وهو ما يحتم خضوع أجهزة الدولة للقضاء وغياب فكرة الحصانة المطلقة أمام الاختصاص القضائى.. فالأعمال التى لا تتعلق بالوظيفة وممارسة الاختصاص لا حصانة لها.. والقول بغير ذلك يعنى غياب المشروعية والشرعية معها.


ثانيا: مبدأ سيادة القانون وليس قانون سيادته
يفترض هذا المبدأ أن سلاح القانون يمكن أن يسلط على الجميع بشكل واحد تماما على الحاكم والمحكوم .. وهذا هو مقتضى فكرة المساواة أمام القانون.. فمن العبث الحديث عن سيادة القانون عندما نرى نائبا عاما يتعقب معارضى السلطة فحسب ولا يلتفت إلى بلاغات وشكاوى ضحاياها.. أو بلاغات تضع فى موضع حرج السلطة الحاكمة .. وكأن مهمته هى الانتقام من أعداء السلطة القائمة وليس التحقق من احترام القواعد القانونية بشكل متساو بين الجميع.. فقانون سيادته قانون انتقائي ولا يحقق مصالح الكافة وإنما فئة حاكمة.. أما سيادة القانون فعلى العكس تحقق مصالح الكافة بما فى ذلك الفئة الحاكمة. 


ثالثا: مبدأ الدستورية
من العبث أن نتصور أن الزج فى استفتاء عام بنص مخالف للمبادئ الدستورية العامة أو وضع وثيقة تم تحريرها بناء على إجراءات باطلة من شأنه أن يطهر النص أو الوثيقة من البطلان.. لأن مبدأ الدستورية تحديدا هو عنصر لا يتجزأ من فكرة الشرعية وبالتالى عدم صحة الإجراء أو القرار أو النص تفضى إلى عدم شرعيته حتى لو وافق عليه الشعب فى استفتاء.. فالاستفتاء لا يغسل أكثر بياضا ولا يطهر من العيوب الخلقية، أى عيوب التكوين .. ومن هنا كانت فكرة السلامة القانونية وصحة القرارات وعدم مخالفتها للمبادئ وثيقة الصلة بالشرعية السياسية لأنها عنصر من عناصرها ومكون من مكوناتها. 

والخلاصة: إن انتهاك بعض مؤسسات الدولة ( رئيس الجمهورية، النائب العام، مجلس الشورى، مجلس الشعب المنحل، الحكومة ) لشروط المشروعية ولمقتضيات الدستورية وسيادة القانون إنما يفضى إلى عدم مشروعية قراراتها من ناحية ولكنه يؤدى وبذات الدرجة من ناحية أخرى إلى عدم شرعيتها السياسية التى تسقط فورا بسبب جسامة الانتهاكات وعددها والخرق المستمر للأسس الدستورية للدولة. 

وهكذا يتبين لنا أن فكرة الشرعية لصيقة الصلة بفكرة المشروعية والدستورية وأن المفهوم الإخوانى للشرعية هو مفهوم بائد سقط فى الفكر الدستورى الحديث منذ زمن بعيد .. ومن الغريب أن نجد اليوم من يردد ترديدا أخرسا ذات المفهوم بلا وعى ولا فهم .. لكن الأغرب أن نجد أن سفيرة أمريكية تدافع عن فكرة بالية أنكرها الفكر الدستورى الحديث بما فى ذلك كبار الفكر السياسي الأمريكى حتى أصبحت فكرة الشرعية بمفهومهم تراثا لفكر قد يبس أو ركاما لحقبة قد زالت .. السن له أحكام قطعا .

الجريدة الرسمية