رئيس التحرير
عصام كامل

خطاب الذكرى السنوية


في خطاب الرئيس محمد مرسى الذي يشكل صدمة بكل المقاييس بمناسبة سنة على توليه حكم مصر، سار الرئيس خلاله على خطى القذافى في طول الخطابات وتتويه المشاهدين والهروب إلى الأمام بتحميل فشل المرحلة على غيره، لام السيد محمد مرسى الجميع إلا أهله وعشيرته، وزع اتهاماته على الجميع وتهديداته للجميع وفى نفس الوقت لم يطرح قضية جادة واحدة خلال خطاب استغرق أكثر من ساعتين ونصف الساعة، ولكن تهديداته الواضحة، والتي قال إنه سيستعمل خلالها كل أنواع القسوة، وجهها إلى خمسة فئات، وهم:


الثوار والإعلاميون والقضاة والمعارضة والأقباط، وبدلا من مراجعة أمينة للسنة الماضية قذف الاتهامات في وجه الجميع عن التراجع والتدهور الحادث في مصر (كل مصر يراها فلولا باستثناء الأهل والعشيرة)، استخدم أرقاما غير صحيحة بطريقة ملتوية ومغلوطة ليبرر الفشل وليلقى التهم المرسلة جزافا على الآخرين، لم ينجح في تقليد القذافى لخفة دم الأخير وسماجة الأول، تهديده الواضح كان لرجال الأعمال المالكين للقنوات الفضائية الخاصة نظرا لدور هذه القنوات الشجاع والقوي في كشف حقائق الأمور في مصر حيث هددهم بالقول: "سنطهر الأماكن منهم"، ماذا يعنى بهذا التطهير وكيف؟

هدد بقطع الأصابع المتربصة بالعلاقة بين الرئيس والقوات المسلحة، من هي هذه الأصابع؟ هدد كل من يوجه نقدا إلى شخصه المعصوم بأن من يهينه كقائد أعلى للقوات المسلحة سيتحول إلى محاكمات عسكرية، قسم المعارضة إلى بناءة وهدامة، وفى نظره طبعا أن حازم أبو إسماعيل وعاصم عبد الماجد وطارق وعبود الزمر وأبو إسلام أحمد ووجدى غنيم وأيمن نور هم المعارضة البناءة، أي المعارضة المصنوعة خصيصا لعهد جديد كما كان يفعل مبارك في تشكيل معارضته، صال وجال من دبي إلى رام الله إلى القاهرة منتقيا معارضيه ولكنه لم يقترب ممن هم جالسين خارج قصره يجمعون التوقيعات لإزاحته ووصل ما جمعوه إلى 20 مليون توقيع وكأنهم غير موجودين أو بيتسلوا كما قال مبارك سابقا على معارضيه، لم يقترب من حادثة بشعة تحدث لأول مرة في مصر بقتل القائد الروحي للشيعة الشيخ حسن شحاتة ومعه ثلاثة من رفاقه وسحلهم والتمثيل بجثثهم في مشهد بشع لن يخرج من ذاكرة مصر، باختصار لأنه هو وحلفاؤه المحرضون على هذا العمل الإجرامي وعلى رءوس الأشهاد من استاد القاهرة.

لعل أهم وأخطر القرارات التي اتخذها الرئيس هي تطهير المناصب السياسية والقيادية من المصريين لصالح الأهل والعشيرة، أي فصل كل من يعارض الإخوان وتعيين إخوانى محله بدون قضاء ولا قانون ولا محاكمة ولا تحقيق بل بكلمة السلطان العابث إلى مخالفيه.. هل يعى ما يقوله في هذا الصدد؟ وهل يمكن لجماعة تشكل أقل من 1% أن تطهر كل المناصب الكبرى من 99% من المصريين؟ وهل الرجل يصدق بالفعل أن دستور أم أيمن هو دستور عالمي مشرف لمصر؟ وهل يصدق أن محافظ الأقصر المستقيل لا تشوبه شائبة؟ وهل يصدق بالفعل أنه صنع لمصر مجداً عالمياً بعدة زيارات خارجية فاشلة؟ وهل هو يعى ما يقوله عن أن أزمة الكهرباء في مصر وراءها عامل يستلم رشوة 20 جنيه لقطع الكهرباء عن الناس؟ وهل هو في وعيه الكامل وهو يشير إلى إرجاع أزمة الوقود إلى إخفاء عدة جراكن بنزين خلف المحطة؟ وهل وصل الانحدار بالخطابات الرئاسية إلى هذا الردح والشخصنة؟

إن هذا الخطاب لا يحتاج إلى تحليل سياسي بقدر احتياجه إلى متخصصين في العلوم السلوكية لتبيان مدى تحول الإنسان العادى إلى ديكتاتور متوحش، وفى يقينى أن الرئيس مرسى إذا فلت ونجح في تقويض معارضيه سيتحول إلى وحش كاسر، ولا تستهينوا بضعفه وقلة حيلته وتهافت منطقه ومحدودية قدراته، فهؤلاء الضعفاء والعجزة كانوا أكثر الحكام إجراما في التاريخ الإنسانى.

حتى اللغة العربية، والتي من المفروض أن يجيدها كرجل دين في الأساس يخطب في الناس في المساجد، حظه منها فقير، وإلا لما كان قرأ الآية القرآنية من ورقة مكتوبة، ولما قال عبارات مثل: مصر ما تنضغطش احنا غير قابلين للانضغاط.

في الحقيقة ليس هناك شيء يقال بعد ما سمعناه في هذا الخطاب الممل سوى الأسف على مصر ومستقبلها إذا استمر هذا الرجل وجماعته في السلطة.
الجريدة الرسمية