رئيس التحرير
عصام كامل

أسلحة الصين لحسم معركة "النفوذ العالمي" ضد أمريكا.. "بكين" تتبنى سياسة "العمل في صمت".. و"كورونا" تكشف أكذوبة "المساعدات الأمريكية"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
«صراع تاريخي ومعركة متعددة الجولات».. الوصف الأدق الذي يمكن الانطلاق منه قدمًا عند الحديث عن الأزمات والصراعات التاريخية التي تحكم العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.


وفي الآونة الأخيرة تحول التنافس بين «واشنطن» و«بكين» إلى واحد من العوامل المحددة للعلاقات الدولية، فيما تزداد المخاوف من احتمال انزلاق هذا التنافس إلى نزاع مفتوح، لا سيما بعد سعي الصين لضرب النفوذ الأمريكي اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، من خلال تشعبها دوليًا وتوسيع استخدامها لليوان الصيني أمام الدولار الأمريكي ليكون عملتها الموحدة وفرض نفوذها الصناعي.

اليوان الصيني

الصين تسعى جاهدة لتوسيع استخدامها لـ«اليوان» الصيني كعملة رقمية وطنية، وذلك بعد أن حل الدولار مكان الجنيه الإسترليني كعملة احتياط رائدة في العالم، ومنذ ربطت اتفاقية «بريتون وودز» في عام 1944 العملات العالمية بالورقة الخضراء، وأصبحت هي العملة السائدة.

ومنذ ذلك الوقت وقعت الصين في فخ الدولار، حيث اضطرت لتحويل مدخراتها الوطنية الزائدة إلى سندات أمريكية آمنة وقابلة للتحويل دوليًا، نظرًا لأنها ترى أن ذلك تطور طبيعي، بعد أن أصبحت إلى حد بعيد رائدة عالمية في أنظمة الدفع الرقمية.

حول تفاصيل خطة الصين لتحرير العالم من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، قالت الدكتورة نادية حلمى، أستاذ العلوم السياسية، جامعة بنى سويف، الخبيرة في الشئون السياسية الصينية والآسيوية: الصين نجحت في اجتذاب الشركات الأمريكية والأوروبية، خاصةً العاملة في قطاع التكنولوجيا، إلى السوق الصينى بعد انتشار جائحة كورونا.

وبالتالى نجحت خطتها في توجيه عدد كبير من الشركات الأمريكية للعمل داخل الأراضى الصينية وإعطائها المزيد من التسهيلات والحوافز، وأحيانًا القروض الميسرة وتسهيلات أخرى مثل تقليل معدل الفوائد وقيمة الضرائب وتخفيضات في معدل الائتمان والمخاطر وغيرها لتشجيعهم على تصنيع منتجاتهم داخل الصين ذاتها، بعد أن أصبحت معظم الشركات الأمريكية غير قادرة أو غير راغبة في إعادة تصنيع منتجاتها في الولايات المتحدة، لأن ذلك سيرفع لديها من تكلفة الإنتاج ويخفض معدلات الأرباح.

كما أنه سيحد من قدرتها على المنافسة في الأسواق الدولية أمام المنتجات الصينية والكورية الجنوبية وغيرها، إضافة إلى ذلك فإن الشركات الأمريكية ترغب في الدخول إلى السوق الصينى الضخم لبيع منتجاتها، لذلك تحاول التوسع فيه لا الانكماش عكس ما كان ينادى به الرئيس السابق ترامب وإدارته من شن حرب تجارية ضد الصين لعرقلة نموها.

وتابعت: باتت الصين الآن منافسًا قويًا للولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعى، وتتقدم السباق في مجال بناء شبكات اتصالات الجيل الخامس، والتي جزأت البنى التحتية للعالم إلى قسمين، قسم يستخدم شبكات الجيل الخامس الصينية، وأغلبهم من الدول النامية والأفريقية الفقيرة وهم الأغلبية، وقسم آخر يستخدم شبكات أخرى أمريكية وأوروبية وهم الفئة الأقل المتمثلة في القوى الاقتصادية الكبرى وبعض الدول المتقدمة والغنية.

كما أن الصين أصبحت مقرًا لأكبر شركة منتجة للطائرات المسيرة دون طيار في العالم، كما تنتج أسرع القطارات في العالم، وأصبحت رائدة في مجال الهندسة الوراثية.

كورونا

«د.نادية» أضافت: في الوقت الذي نجحت الصين في علاج حالات كورونا وتوفير كافة التسهيلات وتقديم مساعدات عالمية بما فيها لواشنطن ذاتها والدول الأوروبية المتقدمة وكافة دول العالم، وظهرت بمظهر الدولة المتعاونة التي تمد يد العون للجميع بعكس الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ترامب وفكرها الانعزالي الذي لا يليق مع فكر دولة عظمى مسئولة عن العالم نجحت الصين نجاحًا منقطع النظير في ذلك.

بل ونجحت في اجتذاب العقول الصينية المهاجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا) من أفضل العلماء الصينيين المهاجرين منذ سنوات، في الوقت الذي تعانى فيه أغلب الجامعات الأمريكية من التعثر المادى وغياب التمويلات والمشروعات البحثية والمعامل، وعجز واشنطن عن توسيع شبكة الرعاية الصحية لتشمل جميع الأمريكيين بعكس تعامل الحزب الشيوعى الحاكم في الصين مع كافة مواطنيه.

ومن هنا يمكن القول أن الصين خطت خطوات مهمة في اتجاه التفوق الإنسانى والتكنولوجى والعلمى في مواجهة واشنطن وكسرت احتكارات الولايات المتحدة الأمريكية لعنصر التقدم البشرى والرأسمالى.

وشددت أيضًا على أن «تفشى فيروس كورونا وتأثيره على الاقتصاد العالمى كان لصالح الصين، فالأزمة ستجعل بكين بمثابة الاقتصاد العالمى الرئيسى الذي سيتوسع العام المقبل وفقًا لكافة المؤشرات الاقتصادية العالمية، والصين مرشحة وبقوة لضرب النفوذ والهيمنة الأمريكية، لأن سياستها حاليًا تتسم بالهدوء المطلق، وتجنب المواجهة، وهو أكثر شيء يستدعى الحذر من قبل واشنطن والعالم.

فالصين تخترع وتبدع بصمت، والولايات المتحدة الأمريكية لا تعلم تحديدًا ما هي الخطوة التالية للصين، وكيف يمكنها أن تستغل الوضع الحالى والمتغيرات الجديدة لصالحه، ومن سيمثل إلى جانبها من الدول ومن سيقف بجانب بكين داعمًا لها، فضلًا عن التساؤل الأمريكى حول مدى نجاح الصين في توسيع دائرة حلفائها وداعميها حول العالم.

فضلًا عن المعاناة الحالية بسبب السياسات والتوترات التي خلقها ترامب لواشنطن حول العالم، للدرجة التي أفقدت العالم الثقة في النظام الأمريكى برمته».

أما فيما يتعلق بالخطوة الصينية المتعلقة بالتوسع في استخدام اليوان الصيني في مواجهة الدولار الأمريكي فأوضحت «د.نادية» أن «استخدام العملة الصينية (اليوان) توسع منذ عام ٢٠١٦، خاصةً بعد إضافة (صندوق النقد الدولى) لعملة (اليوان الصينى) إلى (سلة عملات حقوق السحب الخاصة)، مع إدراجه ضمن (سلة العملات المستخدمة في التداول التجارى إلى جانب الدولار الأمريكى)، ومن هنا بات اليوان الصينى يستخدم كمقياس للقيمة المتداولة من التعاملات التجارية والاستثمارية إلى جانب الدولار واليورو والين والجنيه الإسترلينى.

وفى نهاية عام ٢٠١٩، بات أكثر من ٧٠ بنكًا مركزيًا عالميًا على الأقل يمتلك احتياطيات من عملة اليوان الصينى من النقد الأجنبى، مقارنة بـ٦٠ بنكًا مركزيًا فقط في عام ٢٠١٨، وتستخدم الشركات العاملة في بكين عملة اليوان في مبادلاتها التجارية والاستثمارية مع ١٨١ دولة ليستمر توسع عملة اليوان الصينى في العالم بكل قوة.

وتشير أحدث التقارير الصادرة عن (نظام تداول العملات الأجنبية في الصين) إلى أنه خلال شهر نوفمبر ٢٠٢٠، بلغ حجم التداول اليومى لليوان الصينى في التعاملات الداخلية للعملاق الآسيوى نحو ٤٥ مليار دولار، وهو أعلى رقم مسجل مقارنةً بالأعوام السابقة.

وأكملت: ونجد أن الأهم هنا، هو ما يتعلق بتوقيع الصين لأكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم خلال شهر نوفمبر ٢٠٢٠، والمعروف بـ«الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة عبر المحيط الهادئ»، والذي يضم ١٥ دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتوسع المستمر لما يسمى بطريق الحرير الذي سيشمل دول أوروبا وافريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، أن يعزز من جهود (تدويل عملة اليوان) التي تتقدم الآن تدريجيًا بثبات في مواجهة عملة الدولار الأمريكى التي تأثرت قيمتها عالميًا بلاشك بعد تفشى جائحة كورونا عبر العالم وحدوث تلك الأزمة الاقتصادية العالمية.

فباتت الصين وعملتها (اليوان الصينى) هي القادرة على إنعاش الاقتصاد العالمى والأسواق العالمى، فكل تلك العوامل أضعفت بلا شك من قيمة الدولار الأمريكى كعملة عالمية في مواجهة اليوان الصينى عالميًا.

ومن هنا، نجد أنه في الوقت الذي تزداد فيه قوة اليوان الصينى، يضعف الدولار بشكل كبير، بما يفيد كثيرًا العملة الصينية، والأهم هنا هو أن الأصول المقومة باليوان مدعومة بمعدلات فائدة مرتفعة تتجاوز الأصول المقومة بعملات أخرى كالدولار الأمريكى.

كما أن المستثمرين الآن باتوا يبدون اهتمامًا كبيرًا بالعملة الصينية، حيث أخذت الدولة الصينية بزمام المبادرة في التعافى من الوباء، ومن المتوقع أن يكون اقتصادها هو الاقتصاد الرئيسى الوحيد في العالم الذي يحقق نموًا إيجابيًا في عام ٢٠٢٠.

تحالفات بكين

وانتقلت «د.نادية» بعد ذلك للحديث عن رؤيتها لتحالفات الصين أمام أمريكا خاصة بعد وباء كورونا، وقالت: نجحت الصين في بناء شبكة تحالفات عالمية لإقناع العالم بسلامة موقفها أولًا إزاء الحرب الدعائية الأمريكية ضدها واتهامها بالتسبب في نشر الفيروس حول العالم.

حيث بدأت الحرب المضادة للحزب الشيوعى الصينى عبر الترويج للنموذج الصينى الناجح في احتواء انتشار الوباء وتطويق انتشاره بالمدن الصينية مقارنةً بالفشل الأمريكى الذريع في ذلك، الأمر الذي تعتبره بكين نجاحًا باهرًا في التعامل مع فيروس كورونا، وصورة لنجاح نظامها السياسي الشيوعى وصلابته وفاعليته في مواجهة الأزمات.

كما اهتم هذا الاتجاه الصينى، عبر ما يمكن تسميته بإستراتيجية جديدة للصين تسمى «الخروج للعالم»، من خلال إبراز صورة الصين التي تقدم المساعدات والاحتياجات الطبية للدول التي تفشى فيها المرض.

وأشارت إلى أن المسئولين الصينيين، استغلوا الضغوط التي خلفها انتشار الوباء على الأوروبيين والأمريكيين لتذكير الجمهور العالمى بشكل مطرد بتفوق الجهود الصينية وانتقاد «عدم المسئولية وعدم الكفاءة» لدى من تسمى «النخبة السياسية في واشنطن».

كما جاء ذلك بالنص في افتتاحية نشرتها وكالة أنباء شينخوا الرسمية في الصين، كما تعتبر الصين هي المستثمر الأول في سندات الخزانة الأمريكية، وكذلك ألمانيا هي الشريك التجارى الأول للصين.

كما أن استثمارات الصين نفسها في بريطانيا تقترب من حدود المائة مليار دولار، كما تزايدت استثمارات الصين لدى دول المفوضية والاتحاد الأوروبي، بالإضافة لحاجة روما باعتبارها إحدى دول الاتحاد الأوروبي بعد جائحة كورونا لاستثمارات بكين الهائلة في هذا الظرف الاقتصادى الحرج.

وإلى جانب ما سبق نجحت الصين في ضم إيطاليا إلى مبادرتها الدولية «الحزام والطريق»، وتم إتمام توقيع اتفاقيات تجارية بين الصين وإيطاليا باستثمارات تقدر بـ١٠ مليارات دولار.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية