رئيس التحرير
عصام كامل

سقوط الشرعية الإخوانية!


ترى ما الذي تمثله أحداث الثلاثين من يونيو 2013؟
الإجابة القاطعة عن هذا السؤال الهام هو أنها رمز على سقوط الشرعية السياسية الإخوانية!

لقد سبق لنا أن رسمنا خريطة معرفية لملامح المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير، وذلك في مقال لنا نشر في جريدة الأهرام وجرائد عربية أخرى بتاريخ 29 ديسمبر عام 2011.. وفى هذه الخريطة حددنا ملامح أربعة أساسية..

الملمح الأول هو أن المجتمع الثورى المصرى الوليد سقط فيه دور المثقف التقليدى والذي ساد طوال القرن العشرين، وكان يقوم على أساس تبنى رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام، من خلال تبنى أيديولوجيات متعددة، وذلك لحساب صعود دور جديد لمن يطلق عليه "الناشط السياسي".. وهذا الناشط السياسي تجده ممثلًا في كافة الأعمار، وليس من الضرورى أن يصدر عن أيديولوجية محددة، ولكن ما يميزه حقًا هو قدرته الفائقة على تحريك الشارع في اتجاه معارضة السلطة.

والملمح الثانى من ملامح المجتمع الثورى هو ظهور فئة الحشود الجماهيرية الهائلة، والتي حلت محل فئة الجماهير القليلة العدد.

والملمح الثالث هو بروز التناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية.

والشرعية الثورية ظاهرة معروفة في كل الثورات.. وتعنى أن من قاموا بالثورة من حقهم أن يسقطوا الشرعية القانونية القديمة.
أما الشرعية الديمقراطية فهى التي تقوم على أساس إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعكس القوى السياسية الناجحة التي ستكون في تعاونها مع قوى سياسية أخرى معارضة هي المعبر حقًا عن الإرادة الشعبية.

وقد أصدرت حكمًا في هذا المقال القديم ثبت خطؤه حين قلت مستطردًا بعد الفقرة السابقة "وأبلغ مثال لهذه الشرعية الديمقراطية هي انتخابات مجلس الشعب التي أجريت مؤخرًا والتي أقبلت عليها جماهير الشعب بالملايين، مما يدل على انتصارها للشرعية الديمقراطية على حساب الشرعية الثورية التي يزعم بعض شباب الثوار أن ميدان التحرير ومظاهراته هي المعبرة عنها حتى لو خالفت الشرعية الديمقراطية".

لماذا كان حكمى السابق مخطئًا؟
لعدة أسباب منها أنه لا يكفى تطبيق آليات الديمقراطية التقليدية والتي تتمثل في الانتخابات ونتيجة الصندوق، على حساب قيم الديمقراطية الأساسية وفى مقدمتها التوافق السياسي.

وتبدو أهمية هذه القيمة في أن معايير الديمقراطية التقليدية تقوم في الواقع على مؤشرات كمية وليس على مؤشرات كيفية قادرة على إبراز الإرادة الشعبية بشكل موضوعى.

والدليل على ذلك أنه في كل النظم الديمقراطية إذا حصل مرشح في انتخابات رئاسة الجمهورية على أصوات 50% +1 من أصوات الناخبين يعتبر ناجحًا ويشغل المنصب! ولكن ماذا عن الـ 50% الآخرون الذين لم ينتخبوه؟

جرى العرف الديمقراطى على أن يذكر رئيس الجمهورية الناجح في أول خطاب سياسي له أنه سيعبر عن جميع أفراد الشعب من انتخبه ومن لم ينتخبه.

ظن الناس وهمًا أن الدكتور "محمد مرسى" الذي نجح في الانتخابات الرئاسية بفارق ضئيل للغاية عن منافسه الفريق "شفيق" سيطبق بإخلاص هذا العرف الدستورى العالمى.. وهو قد ذكر ذلك فعلًا في خطابه السياسي الأول حين قال صراحة إنه سيكون رئيسًا لكل المصريين.

ولكن سرعان ما تبين أنه لا يمثل بالفعل إلا أهله وعشيرته، ونعنى جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الدينية الأخرى سلفية كانت أو جهادية.. ومن هنا بدأت مرحلة رحلة سقوط الشرعية السياسية للرئيس "محمد مرسى"!

غير أن شرعيته تآكلت بشكل أعمق حينما تبين أنه بقراراته الإقصائية قسم الشعب إلى نصفين، النصف الأول هو الجبهة الثورية والليبرالية، والجبهة الثانية هي الجبهة الدينية التي تجمع كل من يرفع شعار الإسلام زورًا وبهتانًا.

وإذا أضفنا إلى ذلك فشله الذريع في إدارة البلاد وتخبطه في إصدار القرارات، وعدوانه على القواعد الدستورية والقانونية، لأدركنا أنه فقد في الواقع شرعيته السياسية، وأبرز لنا أهمية بلورة شرعية جديدة يحاسب عليها أي رئيس للجمهورية هي شرعية الإنجاز!

بمعنى أنك قد تنجح كرئيس للجمهورية، في الانتخابات الرئاسية بعدة أصوات عن منافسك الرئيسى ولكنك في الممارسة قد تفشل فشلًا مطلقًا في إنجاز وعدك بالإصلاح، عندئذ تسقط سقوطًا مدويًا في اختبار الشرعية كما يحدث للدكتور مرسى في 30 يونيو 2013.
الجريدة الرسمية