رئيس التحرير
عصام كامل

ورقة رابحة في مفاوضات "سد الأزمة"

وهبت السماء مصر ورقة جديدة رابحة في مفاوضات "سد الأزمة"، علينا أن نحسن استغلالها.. وأن نبقيها على الطاولة باستمرار، حتى لو انتهت المفاوضات بالصورة التي نريد.


الحرب في إثيوبيا، بين الجيش وإقليم تيجراي، تكشف عن مدى هشاشة الوضع هناك.. ما يجعل منطقة السد غير آمنة على الإطلاق، وهو ما يمثل خطرًا شديدًا على السودان، خاصة، في حالة تعرض السد للقصف، ومن ثَمَّ انهياره. فمن يضمن ألا تتكرر الحرب، إن لم يكن مع تيجراي فمع أي إقليم آخر، وبصورة أعنف؟!!
فبعد أيام من اندلاع الحرب بين الجيش الإثيوبي وحكومة آبي أحمد الفيدرالية، ضد جبهة تحرير شعب التيجراي، تعرضت العاصمة الإريترية "أسمرة"، وعدد من المدن الإثيوبية؛ لصواريخ ذات مدى 300 كيلو متر.

وقالت تقارير دولية ومحلية، إنها تعود لتيجراي؛ ما فتح المخاوف حول إمكانية ضرب سد النهضة الإثيوبي، فهل يمكن أن يحدث ذلك؟

آبي.. المفتري علينا (3)

اختلف خبراء المياه، والمحللون السياسيون، حول إمكانية حدوث ذلك، فبعضهم يؤكد أن هدف قومية التيجراي بإطلاق صورايخ مداها 300 كم، ليس له مبرر سوى الضغط على الحكومة الفيدرالية التي يترأسها آبي آحمد لإنهاء الحرب.. وحكومة تيجراي أعلنت منذ أيام قيام الحكومة الفيدرالية بضرب محطة الكهرباء لسد تكيزي.. وهذا السد على حدود الأمهرة وتيجراي، لكن محطة الكهرباء التابعة له توجد في منطقة التجيراي، وأدى هذا إلى توقف الكهرباء تماما وإغلاق الطرق.

وثمة مخاوف من تهور الحكومة الفيدرالية وقيامها بضرب سد تكيزي الذي يعد بمثابة انتحار وتدمير شامل لإقليم تيجراي وشرق السودان، لأن هذا السد يُخزِّن حوالي 9 مليارات متر مكعب، أما قيام إقليم تيجراي بضرب سد النهضة فيعد فقدانا للعقل لأن هذا بمثابة تدمير لبلادهم.

الكل يؤكد أن الحرب الأهلية الدائرة في إثيوبيا لها تأثير على مفاوضات سد النهضة.. ومن السودان، قالت أسمهان إسماعيل، خبير العلاقات الدولية، إن توقعات ضرب سد النهضة غير واردة، موضحة أن هذا المشروع يدعمه كل الشعب الإثيوبي، وأي تعدٍّ من قبل جبهة تحرير تيجراي سيفقدهم الكثير من الدعم في الداخل الإثيوبي والذين هم في أمس الحاجة إليه، حيث يسعون لخلق المزيد من التكتلات لمقاتلة حكومة آبي أحمد.

وأضافت أن حكومة السودان أغلقت الحدود المشتركة مع إثيوبيا والتي تعتبر المنفذ اللوجستي الوحيد لتيجراي، وهذا قد يؤثر سلبًا على موقف المعارضة المسلحة في إثيوبيا، وإنْ كان دعم المعارضة يمكن أن يوفر ورقة ضغط للسودان فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة المتعثرة، ولكن قد يؤثر على علاقة السودان وإثيوبيا، وقد تتجه الأخيرة لدعم المعارضة السودانية المتاخمة لها في شرق السودان، موضحة أن الوضع في السودان هشٌّ لا يحتمل المزيد من الصراعات.

وأوضحت أن ضرب سد النهضة لن يكون خيارًا بالنسبة لجبهة تحرير تيجراي لأهمية السد لكل عموم الشعب الإثيوبي، مؤكدة أن الأثر السلبي على سد النهضة هو تأخير اكتمال بناء السد بسبب تأثيرها على ميزانية البناء.

وبدأت جذور الخلافات بين الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا وجبهة تحرير تيجراي منذ مجيء آبي أحمد إلى السلطة في عام 2018، حيث همَّش التيجراي الذين يبلغون حوالي 6% من سكان إثيوبيا، عبر إبعادهم من وظائفهم وتلفيق تهم الفساد لهم وذلك بعد أن حكموا إثيوبيا لما يقارب الثلاثة عقود.

وتجددت هذه الخلافات قبل أسبوع بعد قرار آبي بتأجيل الانتخابات التي كان من المقرر عقدها في أغسطس 2020 بسبب جائحة كورونا دون تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات، وفي تحدٍّ واضح من قبل جبهة تحرير تيجراي للحكومة الفيدرالية أعلنت عن إجراء الانتخابات في موعدها دون أي تأجيل، والذي اعتبرته الحكومة الفيدرالية أمر غير قانوني.

آبي.. المفتري علينا (2)

المفكر السوداني علي ميرغني يقول: إن هناك سدًّا يدعى "تكزي" يقع في إقليم تيجراي، وتمتد بحيرته داخل إقليم الأمهرا.. وهو بعيد نسبيا عن سد أعالي عطبرة وستيت بالسودان، وحتى إن تم تدميره فلا يشكل خطرًا على أعالي عطبرة وستيت.. لكن هذه الحادثة تدخل عامل جديد في مباحثات سد النهضة.

إثيوبيا ظلت تؤكد أن السد خارج نطاق الزلازل في المنطقة وتصميمه قوي وقادر على تحمل ضغط 74 مليار متر مكعب.. لكن السؤال: هل تم تأمين السد من الحروب الداخلية؟! فإذا كانت الحكومة الاتحادية تقصف، بعد مضي أقل من أسبوع على الحرب، محطة الطاقة في سد تكزي، فمن يضمن ألا يكون رد الأقليم المتمرد بقصف سد النهضة؟!

ومن يدري أي إقليم سيتمرد غدًا على إثيوبيا، ويجعل سد النهضة أحد الأهداف المحتملة؟! ووقتها ستكون السودان في مرمى الخطر.

آبي أحمد أثبت أن الوضع في بلاده هش بصورة يصعب التنبؤ بالتطورات، وإذا كان المجتمع الدولي يعارض حصول الدول الهشة على أسلحة؛ خوفًا من وقوعها في أيدٍ غير مسئولة، فمن باب أولى ألَّا تقدم أي دولة على تزويد إثيوبيا بأي نوع من الأسلحة.
الجريدة الرسمية