رئيس التحرير
عصام كامل

المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية وفقا للدستور


ما صدر حكم قضائي ضد الإخوان إلا وصرخوا قبل قراءته: الغوث، النجدة، حكم مسيس.. شيء أصبح يثير السخرية والتندر.. ألا يخجلون من الاتهام المستمر بالتسييس حتى فى المواد الجنائية التى تبنى على الأدلة والوقائع؟


الحكم الصادر من محكمة جنح الإسماعيلية يفتح النقاش القانونى حول المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية وفقا للدستور الجديد. 

صحيح أن المادة ١٥٢ تقرر أن اتهام الرئيس بجناية أو بالخيانة العظمى يكون بإجراءات خاصة تبدأ بتوجيه الاتهام والموافقة عليه بواسطة غرفتى البرلمان، إلا أن إعمال هذه المادة يفترض:

أولا: أن الوقائع محل الاتهام قد ارتكبت بعد العمل بالدستور حتى تنصرف إليها أحكامه وإجراءات المادة ١٥٢.
ثانيا: طالما أن الأمر يتعلق بجريمة ذات طابع سياسي كالخيانة العظمى فالأمر يتعلق غالبا بالأعمال الداخلة فى نطاق مباشرة الرئيس لسلطاته الرئاسية.

هذا هو نطاق تطبيق النص الذى يعتبره البعض مانعا مطلقا من إقرار مبدأ المسئولية الجنائية للرئيس فى الدستور المصرى.. وهو خطأ فادح فى الفهم لا يليق أن يرتكبه أستاذ مفترض فيه القيام بتدريس القانون بالجامعة وذلك للأسباب التالية:

أولا: الأعمال الإجرامية التى يرتكبها الرئيس ولا تتعلق بممارسته لاختصاصاته الرئاسية تخرج عن نطاق تطبيق هذا النص وتخصع لمبدأ المسئولية الجنائية الكاملة عن الجرائم المرتكبة لأنه لا تغطيها حصانة رئيس الجمهورية..  ومنها الوقائع التى ارتكبها ولا علاقة لها البتة بممارسته لوظيفته (مثل الهروب من السجن أو التخابر إلخ ) وكذلك كافة الأعمال الإجرامية المنبتة الصلة بالوظيفة الرئاسية يخضع فيها الرئيس للقانون الجنائى فهو ليس فوق القانون.. وقد ثارت المشكلة بذات المعنى فى فرنسا وأعطاها القضاء الفرنسي ذات التفسير الذى أقدمه هنا والذى يتفق مع أحكام قانوننا المصرى.

ثانيا: الأعمال التى ارتكبت قبل العمل بالدستور وقبل ولاية الرئيس ( كتلك الواردة بنص حكم محكمة جنح الإسماعيلية) يسأل عنها أيضا جنائيا الرئيس وتحكمها المبادئ القانونية العامة ولا يحكمها النص الخاص للمادة ١٥٢ المتعلق فقط بالجنايات وأعمال الخيانة العظمى المرتكبة.. ولقد غفل البعض عن سوء صياغة المادة ١٥٢ وعدم تحديدها.. وكأن من أعمالهم سلط عليهم.. فصياغة النص لا تسمح بإطلاق مبدأ انعدام المسئولية الجنائية على النحو الذى أكده على يقين فاسد أحد مستشارى الرئيس دون أدنى حذر قانونى فى تفسير النص.. ومن المؤسف أن نلاحظ أن رد فعل أساتذة القانون الموالين للإخوان يشوبه دائما ذات التحيز الأعمى ويكاد ينسيهم علم القانون، فيرددون  أخطاء عفى عليها الزمن من نصف قرن يظنونها قائمة حتى اليوم لعدم اطلاعهم على الفكر القانونى الحديث.

ذلك أن الدساتير والأحكام القضائية تفرق بين الأعمال الداخلة فى نطاق الوظيفة الرئاسية وتغطيها جريمة الجناية العظمى من ناحية، والأعمال التى لا تتعلق بالوظيفة الرئاسية وهذه تحكمها قواعد القانون الجنائي العادية.. فمن الجهل إطلاق النص فى التطبيق الزمنى ومن الأجهل إطلاق نطاق تطبيقه المادى أو الموضوعى على كافة الجرائم.

ثالثا: قرر البعض - نتيجة جهل كامل بالتجرية الفرنسية - أن عدم مسئولية الرئيس جنائيا هو مبدأ عام مقرر فى العالم كله وفى فرنسا أيضا التى يعتبرونها مصدرا ملهما لهم رغم جهلهم العميق بنظامها الدستورى وبكل أسف.. فلقد تم اتهام ومحاكمة الرئيس الأسبق للجمهورية الفرنسية چاك شيراك عن الأعمال المرتكبة إبان رئاسته لعمودية مدينة باريس وقبل توليه الرئاسة.. وكان تحريك الإجراءات الجنائية ضده أثناء فترة ولايته.. أما عن الرئيس السابق نيكولا ساركوزى فتحرك الاتهام ضده بعد تركه السلطة مباشرة عن مخالفات ارتكبها تتعلق بتمويل حملته الانتخابية.

وفى النهاية لا أحد ينسى إجراءات منع رئيس الجمهورية الأمريكى بيل كلينتون من مزاولة وظائفه بعد فضيحة يندى لها الجبين.. وتدل هذه الأمثلة على عدم صحة الزعم الكاذب بأن الرئيس غير مسئول جنائيا فى العالم كله كما قرر بعض المساندين للإخوان لتبرير انتهاكاتهم للقانون كعادتهم. 

فى النهاية فلنرفع نقابا يستر الحقائق، الأحكام القضائية ليست مسيسة ولكنها تنطوى على عيب أكثر جسامة فى نظر ترزية الإخوان: أنها تكشف أن القانون يقف ضد مصالحهم. 
الجريدة الرسمية