رئيس التحرير
عصام كامل

مراوغة وتستر "الصحة العالمية"

المراوغة والتضليل سمة إثيوبية أصيلة اختبرناها وعانينا منها منذ بدء مفاوضات "سد النهضة"، ومن قبلها بعشرات السنين حين حاولت بناء السد وأنكرت إلى أن تم قصفه بالطيران خلال حكم الرئيس الراحل أنور السادات، ولا ننسى محاولة اغتيال الرئيس مبارك عند زيارته لها.


مراوغة وتضليل إثيوبيا له أهداف سياسية ويخدم أطرافا تكن العداء لمصر، هي قطر وتركيا وإسرائيل بالدرجة الأولى، لذا لا نستغرب أن يلجأ مدير عام منظمة الصحة العالمية الإثيوبي تيدروس ادهانوم غيبريسوس، إلى الاسلوب نفسه من المراوغة والتضليل، خصوصا في جائحة "كورونا"..

 

 إيران "حمراء" وتحيي "عاشوراء"

وتيدروس له سجل حافل في هذا الصدد اعتمدت عليه الولايات المتحدة وغيرها من الدول لانتقاد أدائه وانحيازه الواضح للصين، وانتهى الأمر بانسحاب أميركا من المنظمة وأوقفت التمويل السخي نحو نصف مليار دولار سنويا، نتيجة سوء الإدارة وتضليل العالم بشأن "كورونا" ما تسبب في إصابة ووفاة الملايين وخسارة القتصاد العالمي تريليونات الدولارات إثر توقف الحياة والأعمال. 


في بداية تفشي الفيروس بمدينة ووهان الصينية نهاية ديسمبر الماضي، واجهت المنظمة انتقادات عدة لتأخرها في التحرك ورفضها تحذير العالم، وفجأة أعلنت الفيروس جائحة عالمية، بعد أن أدركت صعوبة السيطرة عليه لتأخرها المتعمد، ما دعا الرئيس الأميركي ترامب، إلى إتهام المنظمة بأنها "دمية الصين" ومنحازة إليه خشية محاسبته عالميا على نشر الوباء.


وبعد انتقادات ترامب، وصف نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الياباني، تارو آسو، منظمة الصحة العالمية بأنها "منظمة الصحة الصينية"، مؤكدا علاقة المنظمة ومديرها العام الوثيقة مع بكين.


وخلال الأيام القليلة الماضية، انتقد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المنظمة، ورأى في لقاء مع نواب بريطانيين، أنها منظمة "سياسية"، متهماً مديرها العام تيدروس ادهانوم بأنّ "الصين اشترته". كما عزا الوزير الأميركي الوفيات العالمية جراء الجائحة إلى إخفاق المنظمة ومساوماتها المزعومة مع بكين.


أما تيدروس، فاعتبر أنّ تصريحات بومبيو التي نقلتها الصحافة البريطانية، "خاطئة وغير مقبولة"، محذراً من "تسييس" أزمة الوباء.

الخبز والملح والزاد
لكن الحقيقة ان انتقاد واتهام تيدروس وإدارته لمنظمة الصحة العالمية، له جذور وأسباب لا يمكن إغفالها، جعلت أميركا تقول أن الصحة العالمية "لديها قضايا هيكلية يجب معالجتها. كما أن المنظمة تتعرض للتضليل والتأثير السياسي، وهناك حاجة إلى إجراءات لمواجهة نفوذ الصين غير العادي عليها في ظل إدارة تيدروس".


يعد الإثيوبي تيدروس، أول مدير عام لمنظمة الصحة العالمية غير متخصص بالصحة، إذ درس علم الأحياء الدقيقة واتهمه البعض بأنه وصل لهذا المنصب الدولي بدعم وضغط من الصين، التي يرتبط معها بعلاقات ومصالح وثيقة، وقد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" قبل نهاية العام 2015 مقالة تناولت فيها "فضيحة في الأمم المتحدة"..

 

أشارت إلى أن الصين عملت بدون كلل وراء الكواليس لمساعدة الإثيوبي تيدروس، على هزيمة ديفيد نابارو، مرشح المملكة المتحدة لرئاسة منظمة الصحة العالمية، واعتبرت الصين أن انتصار تيدروس انتصارا لها.


عن سبب دعم الصين وصول تيدروس، لرئاسة منظمة الصحة العالمية، تقول صحيفة "بوليتيكو"، ان تيدروس يرتبط بعلاقة وثيقة مع الصين منذ كان وزيرا للخارجية في بلاده، حيث تولى تيدروس، بصفته العضو التنفيذي في جبهة تحرير الشعب الماركسية اللينينية تيغراي، الإشراف على توسع هائل لدور الصين في إثيوبيا، حتى أصبحت أكبر مستثمر أجنبي وأكبر شريك تجاري، وأكبر مقرض في إثيوبيا، لذا دعمته الصين في هذا المنصب، لضمان استمرار تبادل المنفعة. 


وتبريرا لتولي تيدروس "منظمة الصحة العالمية"، أشير إلى توليه وزارة الصحة في بلده بين عامي 2005 و2012، لترد صحيفة "نيويورك تايمز"، بأن تيدروس أول أفريقي وأول غير مختص بالطب يقود منظمة الصحة، لكن له تاريخ طويل في إخفاء الأوبئة في إثيوبيا، فقد غطى على ثلاث أوبئة كوليرا في إثيوبيا حين كان وزيرا للصحة، واستعادت الصحيفة ما ذكره تيدروس، عن أن تفشي الكوليرا في 2006 و2009 و2011 لم يكن سوى "إسهال مائي حاد" والمرض تفشى فقط في المناطق النائية لصعوبة إجراء الاختبارات المعملية، وان المخاوف الدولية مبالغ فيها، لكن رغم تبريره انتقلت الكوليرا من إثيوبيا إلى البلدان المجاورة بما فيها كينيا والصومال والسودان.

خريف الرعب في الولايات المتحدة
كما ذكرت صحيفة "الغارديان" أن اخفاء تيدروس تفشي الكوليرا ثلاث مرات خلال توليه وزارة الصحة الإثيوبية عائد، لأن حكومة بلده تخشى من تأثير تلك الأخبار سلبيا على الاقتصاد. من جانبه، رفض تيدروس الاتهامات الموجهة إليه واعتبرها عنصرية نابعة من "عقلية استعمارية تهدف إلى تشويه سمعته".


عاود تيدروس المراوغة لتعزيز صورة الصين، محاولا نفي الانطباع العالمي عن أنها منشأ الفيروس، وقال "أن الصحة العالمية تجري دراسات واسعة لتعقب أنواع الحيوانات، التي نقلت الفيروس إلى الإنسان، وأن مدينة ووهان الصينية قد لا تكون منشأ كورونا".


وردا على إعلان أكثر من دولة عن انتاج علاج وقرب التوصل إلى لقاح، حذّر ادهانوم الاسبوع الماضي، "من احتمال ألا يكون هناك حل سحري للقضاء على فيروس كورونا في الوقت الحالي وقد لا يوجد أبداً، والفيروس مستمر معنا".


وحتى حين أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، أن روسيا توصلت إلى أول لقاح ضد فيروس كورونا، مؤكداً أنه يوفر "مناعة مستدامة" وأن احدى بناته تلقّته، ولديهم طلبات من 20 دولة لتوفير أكثر من مليار جرعة، ردت "الصحة العالمية بتحذير مبطن" بعد أن شككت الأيام الماضية في قدرة روسيا على إنجاز لقاح للفيروس.

 

لذا ينبغي الوقوف مليا أمام سوء إدارة ومراوغة ادهانوم، وعدم التزامه بالفكرة النبيلة التي أنشئت من أجلها المنظمة العالمية، ويكفي أن التضليل المتعمد تسبب في جائحة عالمية.

الجريدة الرسمية