رئيس التحرير
عصام كامل

حصانة للبيع

للأسف، إن القواعد التي اختارت على أساسها الأحزاب لمرشحيها لخوض انتخابات "مجلس الشيوخ" الجديد، تؤكد أن العقل المصرى لم يتغير بحكم الثورات والتغيرات التي شهدتها مصر بعد يناير 2011، وأن الأداء والهدف سيظل واحدا، وإن اختلفت طريقة "الإخراج" الذى لن يفرز سوى أغلبية من النواب الذين لا يمتلكون الحد الأدنى من مؤهلات عضوية المجالس النيابية.


فبدلا من التركيز على اختيار "العلماء، والخبراء، والمؤهلين علميا وسياسيا" وضع أغلب الأحزاب تسعيرة تبدأ من 5 ملايين جنيه ويزيد كتبرع للحزب فى مقابل الترشح لعضوية "مجلس الشيوخ" على قوائمهم، وهو ما أدى إلى اتخام القوائم بعدد هائل من الشخصيات التى لا تمتلك الحد الأدنى من مؤهلات العضوية، ولا هدف لهم سوى الحصول على "حصانة" فقط، بحكم أن "معاهم فلوس".
"إرهابى" فى قلب أمريكا
وهو الأسلوب الذى لا يختلف عما كان يتم فى "عهد مبارك" الذي سيسفر بكل تأكيد عن إنجاح كل الوجوه التى تم اختيارها، على ذات نهج "الوطنى المنحل" الذى عاد كل كوادره لتصدر المشهد في كل التكتلات الحزبية.

فأذكر فى عام 1995 كنت "شاهد عيان" وعلى صلة وثيقة بكل أطراف معركة انتخابية دارت وقائعها فى دائرة مركز "ابوكبير" بمحافظة الشرقية، تلخص باختصار "كيف يدير قيادات الوطنى المنحل للانتخابات".

حيث قرر الدكتور "حلمى نمر" الأمين العام السابق لمجلس التعاون العربى، فى تلك المعركة، طرح نفسه كمرشح عن مقعد الفئات، الذى كان يشغله لـ 3 دورات سابقة، بحكم قربه من صناعة القرار، والمناصب القيادية، التي كان يتقلدها، إلى جانب وجود شقيقه اللواء "أمين نمر" على رأس أحد الأجهزة السيادية.

إلا أن الغريب فى تلك المعركة، أن النظام فى ذلك الوقت كان قد قرر سرا، التخلص من "نمر" بعد أن سرب وزير الداخلية "حسن الألفى" تقارير أمنية، زعمت وجود اتصالات بين الرجل وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل القيادة تتخذ قرارا بـ "ذبحه" خاصة وأن "مجلس التعاون العربى" كان قد تم حله، وأحيل اللواء "أمين نمر" إلى التقاعد.

وهو ما جعل وزير الداخلية "ابن ذات الدائرة" يتخذ قرارا بالدفع بابن عمه وصهره "محمد أبو صالح الألفى" الذى كان يطمع فى الحصول على تزكية "الحزب الوطني" لطرحه كمرشح للحزب، إلا أنه بعد مقابلة تمت بين "نمر ومبارك" قرر الرئيس بعدها ترك الدائرة مفتوحة دون إعلان اسم بعينه كمرشح للوطنى.
مصريون برتبة عملاء
وهنا كانت بداية المعركة، التى انحازت فيها الأغلبية العظمى من أهالى الدائرة ضد السلطة والأمن مع الدكتور "نمر" فى الوقت الذى دفع فيه "وزير الداخلية" بكل قوة لمساندة ابن عمه، حيث شهدت عملية التصويت تجاوزات غير مسبوقة.

ولا أبالغ، إننى كنت قد قرأت المشهد مبكراً، والذى كان يؤكد نية الدولة لانجاح "الألفي" ولذا قررت أن أرصد مشهدا يلخص "كيف كانت تدار مصر فى ذلك الحين" حيث حرصت متابعة كيف سيتصرف اللواء "أمين نمر" الذى كان يقود أخطر أجهزة الدولة قبل شهور، وحل كمندوب عن شقيقه فى لجنة فرز الأصوات، فى مواجهة إرادة "وزير الداخلية".

ولذلك حرصت على الوقوف خلف "اللواء نمر" بشكل مباشر داخل لجنة الفرز، حيث بدا الرجل هادئا ومستسلما للغاية، على الرغم من التجاوزات المستفزة التى شهدتها عملية الفرز، من صناديق تحوى أصواتا تزيد بمراحل عن عددها الحقيقي، وأخرى وضع بداخلها أوراق اقتراع مصورة، وفى النهاية خرج الرجل من لجنة الفرز، بعد أن عجز عن فعل شيئا لشقيقه، وتم إعلان فوز "الألفى" بفارق 33 ألف صوت عن الدكتور نمر، وتحقق للنظام ما أراد .

وظل "الألفى" يتعامل داخل الدائرة كـ"الطاووس" طوال فترة وجود "حسن الألفى" وزيرا للداخلية، إلى أن حدثت مذبحة الأقصر فى 17 نوفمبر 1997، وأطاح "مبارك" ب "حسن الألفى" وأطاح معه بالصلاحية والبريق، الذى كان يغلف "صهرة النائب" الذي لم يستطع قراءة المشهد جيدآ، وقرر خوض الانتخابات البرلمانية فى عام 2000، وهنا كان لابد لى من استكمال الصورة التي تبين "كيف كانت تدار الدولة" و "كيف كان يدير الوطنى المنحل كل الانتخابات".

فكما حرصت على أن أكون ملاصقا للواء "آمين نمر" خلال فرز الأصوات فى انتخابات 1995 كنت حريصا على متابعة ماذا سيفعل "الألفى النائب" الذى جاء به النظام للتخلص من "الدكتور نمر" قبل 5 سنوات، وبالفعل، ذهبت إلى لجنة فرز الأصوات، فوجدت "الألفى النائب" يجلس فى مدخل المدرسة التى يتم فيها فرز الأصوات برفقة أحد أقاربه، فى حين كان كل المرشحين بالطابق الثانى يتابعون عملية فرز الأصوات.
كارثة أسفل الأقصى
فدخلت، واتجهت نحوه مباشرة، وعندما رآنى وقف واستقبلنى بترحاب مبتسما، وبعد حديث قصير سألته: "إيه الأخبار فوق؟" فضحك بشدة وقال: "فوق، فوق فيه..... وفى .... كبيرة" ولاننى لم اتوقع الرد، فقد انتابتنى حالة من أضحك الشديد، لدرجة أنه سألنى متعجبا: "أنت بتضحك على إيه؟" فأجبته وأنا أضحك: "على.... الكبيرة اللى مصر بتاخدها" وخرجت النتيجة ولم يحصل" الألفي" سوى على ألفى صوت فقط، بعد أن أنجحه النظام فى الدورة السابقة بفارق 33 ألف صوت عن أقرب منافسيه.

للأسف، هكذا كانت تدار دولة مبارك، وهكذا كان يدير "الوطنى المنحل" كل الانتخابات، وسيظل، مادامت كوادره التى أدمنت الفساد والافساد والتزوير يسيطرون ويتصدرون المشهد.. وكفى.
الجريدة الرسمية