رئيس التحرير
عصام كامل

سوريا والنتائج المحتملة


إذا كنا ننظر لواقعنا الآن على بعد 30 ألف قدم لتعاملنا مع الشرق الأوسط، فاليوم نري العواقب التي طال انتظارها منذ نهاية الدولة العثمانية. عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية نتيجة لهزيمتها في الحرب العالمية الأولي، كانت القوي الاستعمارية بريطانيا وفرنسا تسعي لتحقيق مصلحتها الخاصة، لفرض النظام الخاص بهم في الشرق العربي، وبعد الحرب العالمية الثانية سلمت بريطانيا وفرنسا السلطة للملوك الذين يفسحوا المجال أمام الجنرالات لكي يبقي الأمر بأيديهم بقبضة من حديد.


ولكن الآن لقد ولي العثمانيون والقوي الاستعمارية، وولي أيضا حكم الجنرالات للبلاد بقبضة من حديد. وفي مصر وتونس واليمن وسوريا والعراق وليبيا يبقي سؤال واحد هل يمكن لهذه البلدان التي طالما حكمت عموديًا "من أعلى لأسفل"، أن تحكم الآن أفقيا من أسفل لأعلي وأن يعيش الجميع كمواطنين على قدم المساواة مع تناوب السلطة بشكل منتظم دون القبضة الحديدية من فوق.

عندما يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إنه يعتزم تسليح الثوار السوريين ضد الرئيس بشار الأسد، فيكن بذلك دوامة، ويقوم بإدراج أمريكا فيها وإنه لايزال من غير الواضح بالنسبة لي، هل أوباما يتجه نحو سوريا ولكن هناك ثلاث استراتيجيات فقط ممكنة لتفسير ذلك: الواقعي والمثالي واستراتيجية مع الله الذي يأمل بالحظ.

الاستراتيجية الأولي الواقعية، تقتضي برؤية عدم وجود أي أمل للبناء بعد عامين من الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من 90 ألف قتيلًا. ويبدو أن هدف الولايات المتحدة من تسليح المعارضة هو اصطياد اثنين من الخصوم الإقليمية الرئيسية لأمريكا "حزب الله وإيران"، وحرمانهم من تحقيق فوز سهل مع الرئيس الأسد في سوريا. وعلي الأرجع أن هذه الاستراتيجية من شأنها أن تؤدي إلى تقسيم المنطقة في سوريا إلى علويين على طول الساحل وهي منطقة كردية في شمال شرق البلاد وباقي المنطقة للسنة.

وعلي الرغم من كل ذلك يكاد يكون أن الولايات المتحدة تورطت في صراع على السلطة مع العلمانيين السنة الذين لقوا الدعم من مختلف الدول الإسلامية، ولقوا التمويل من المساجد والجمعيات الخيرية والحكومات في منطقة الخليج العربي. وربما يكون التقسيم الواقع لخيار أكثر استقرارًا وتقسيم سوريا لوحدات صغيرة قادرة على الحكم الذاتي ولكن القبيح أن مسلمي السنة سينتهي بهم الحال تحت سيطرت الجهادين وليس رجالنا.

أما الاستراتيجية المثالية، الهدف هو تسليح الثوار المعتدلين ولكن لن يكون هناك قوات من الناتو لمساعدة الثوار على الأرض لإسقاط الأسد، ولقمع المتطرفين الذين يمارسون كافة أشكال العنف ويرغبون أن تكون سوريا موحدة، ويعيشوا معا، وهو هدف نبيل ونحتاج أن نكون صادقين بشأن ما سيستغرقه لتحقيق ذلك من حيث ما نحن عليه الآن، وهل سيتطلب الأمر تدخل آخر.

والاستراتيجية الأخيرة، يقول البعض نحن لسنا في حاجة لأحذية على الأرض، كما ثبت من التدخل الليبي، وليبيا هي محظوظة النهج لتلك الاستراتيجية، التي دعت لغزل النظام وأرسل لها الأسلحة ونجحت في القضاء على الرئيس الراحل معمر القذافي، ونأمل من الثوار السوريين أن يقدموا إنتاجا لائقا للثورة وأن تحقق ديمقراطية تعددية، ولكن ليس لدينا حظ جيد هناك، فيكفي ما حدث لمنشآتنا في بنغازي، ويجب أن يكون النقاش الصحيح حول ما إذا كان هناك ومازال الفراغ الأمني في شرق ليبيا في المقام الأول.

للأسف الحكومة الليبية لم تكن حكومة انتقالية قوية بما يكفي لإحلال النظام في ليبيا، لقد ساد حالة عدم الاستقرار هناك. وذكرت وكالة رويترز يوم الأربعاء الماضي أن ليبيا لا يزال يسودها الفوضي وتعج بالأسلحة بعدما يقرب من أكثر من عامين منذ الإطاحة بالقذافي. وأيضًا هناك خبر سار أن المعتدلين الليبيين دفعوا الميليشيات القبلية والجهادية الخارجة عن القانون إلى الخلف ولكن بدون مساعدة خارجية فهي في مهمة شاقة.


في سوريا، سنكون على أمل مع الأسلحة الصغيرة في يد الثوار لمحاربة الأسد وأصدقائه قد تدفعهم إلى طريق مسدود وبالتالي سيوافق النظام على التفاوض ورحيل الأسد، حتي لو بمعجزة سيحدث ذلك ومازلنا بحاجة لقوة حفظ سلام دولية لكي تحافظ على تقاسم السلطة لما بعد الأسد وأرجو جميع المتطوعين أن يرفعوا أيديهم عن سوريا.

تلك الخيارات كما أراها وأشعر بأني بحالة جيدة لأني على يقين بأن هناك من يقاتلون في سوريا بشجاعة من أجل تحقيق الديمقراطية، ولكنها منقسمة وضعيفة، ولكنهم يقاتلون من أجل القيم الديمقراطية وليس من أجل الطائفية. وللأسف مازال هناك من يقاتل من أجل الطائفية وممولة جيدًا، فهذا الأمر يجعل البقاء خارج الضمانات وأن الأمور ستكون أكثر سوءًا، ولن يضمن أحد النجاح ولهذا السبب أود أن أسمع خيار أوباما لأي طريق سيسلكه ولماذا سيعتقد أنه سينجح؟
نقلا عن نيويورك تايمز.
الجريدة الرسمية