التمرد على الأجيال القديمة!
تعيش مصر المحروسة هذه الأيام فى عزّ الحماس للتوقيع على أوراق حركة "تمرد" التى نجحت شعبيًا بصورة غير متوقعة فى أن تبلور تيار السخط الشعبى الشديد للجماهير العريضة إزاء السياسات الفاشلة لحكم الإخوان المسلمين.
والواقع أن السخط المتراكم ليس رد فعل للفشل الحكومى، أو للتعثر الشديد لوزارة "هشام قنديل" فى مواجهة المشكلات الأساسية كنقص الوقود أو انقطاع الكهرباء، ولكنه أخطر من ذلك.. بسبب الإدراك الذى ربما جاء متأخرًا بأن جماعة الإخوان المسلمين مفلسة فكريًا، وليس لديها أى مشروع ولا أى كوادر قادرة على الحكم، وأهم من ذلك عجزها من خلال رئيس الجمهورية عن إدارة الدولة.
ولو حاولنا أن نحلل حركة "تمرد" من وجهة النظر السياسية لقلنا إنها محاولة جسورة لتجاوز الضعف البنيوى لجبهة الإنقاذ، وعجزها عن توطيد صلة قياداتها مع الجماهير، وعدم قدرتها البنيوية على العمل الميدانى فى الشارع السياسى.
غير أننا لو أردنا أن نحلل حركة "تمرد" من وجهة نظر علم الاجتماع لقلنا إنها فى الواقع "تمرد" على الأجيال القديمة فى السياسة والفكر والثقافة! وذلك على أساس أنها أجيال تخطاها الزمن، ولم تستطع أن تجدد نفسها معرفيًا لكى تدرك عمق حقائق العالم المعاصر، كما أنها أثبتت أنها أجيال تقليدية تظن أنها يمكن أن تصل إلى الناس سياسيًا عن طريق تصريح سياسى من خلال ميكروفون فى إحدى القاعات!
لم تدرك الأجيال السياسية القديمة أن وسائل الاتصال الحديثة نسخت بسرعتها الفائقة وقدرتها على الوصول إلى كل فرد وسائل الاتصال القديمة.. كما أن قادتها لم يدركوا أن قدرة الشباب الفائقة على الحشد الجماهيرى بلا حدود، والتى يشهد عليها نجاحهم فى إطلاق شرارة ثورة 25 يناير.
لكل ذلك نميل إلى تحليل حركة "تمرد" من وجهة النظر الاجتماعية بأنها -بالإضافة إلى "تمردها" على حكم الإخوان المسلمين البائس- هى تمرد أيضًا على الأجيال السياسية والفكرية القديمة والتى تتصدر المشهد السياسى، وتظن وهمًا أنها تقود الجماهير فى حين أن جماهير الشباب هى التى تتولى القيادة الفعلية!
لقد رأيت على شاشة التليفزيون فى أحد البرامج شابًا من قادة حركة "تمرد" وأحسست أنه زعيم سياسى حقيقى يمتلك رؤية واضحة للتمرد السياسى، ولديه أفكار تتعلق بالمستقبل فيها منطق واضح، كما أن قدراته وقدرة زملائه على الحشد الجماهيرى وفق وسائل مبتكرة ملفتة فعلًا للنظر.
أحسست –باعتبارى من جيل عواجيز الفكر- أن الأجيال القديمة مضى عصرها، وأننا نعيش الآن فى ظل جيل شاب جديد، علينا جميعًا أن نعرف بنيته المعرفية وإدراكاته السياسية ورؤيته للعالم.
بغير هذا لن نستطيع التواصل معه، لأن الحوار بين الأجيال ضرورة مجتمعية وحضارية، وليس هناك مجتمع إنسانى يعيش بقيادة جيل واحد مفرد.
علينا أن نبدأ رحلة فهم هؤلاء الشباب ومساندتهم فى مشروعهم التمردى.
ومن بين المراجع الأساسية عن جيل الشباب فى الوطن العربى الكتاب الذى أشرف عليه "محمد العجاتى" وشاركت فيه مجموعة متميزة من الباحثين الشباب العرب، وأصدره "مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت" (أبريل 2013).
ونحن نستطيع فى ضوء هذا الكتاب الهام التعرف على البنية المعرفية للشباب العربى وسماته النفسية والاجتماعية الأساسية.
والواقع أن من إيجابية حركة "تمرد" رفض الخضوع للسلطة الغاشمة التى تريد الاستيلاء على البلاد لتحقيق مشروعها الوهمى وغير الواقعى، والذى يتمثل فى تحويل مصر إلى دولة دينية تمهيدًا لإعلان الخلافة الإسلامية!
هذا ما يحلم به هؤلاء الذين يدعون أنهم – بعد إحياء الخلافة- سيكونون أساتذة العالم..
نعم، ولكن فى الجهل!
eyassin@ahram.org.eg