رئيس التحرير
عصام كامل

الانجراف الخطير في مصر


قمت بزيارة أحد المخابز في حي إمبابة في القاهرة، حيث شاهدت زحاما كثيفا من الرجال والنساء والأطفال يتدافعون للحصول على الخبز، الذين يصلون هناك في وقت مبكر للحصول على رغيف الخبز المدعم، ولكن من المؤسف أن نرى من الخلف تباع أكياس الطحين للسوق السوداء بخمس أضعاف ثمنها ويعترف صاحب المخزن بعمله وأنه يضطر لذلك لارتفاع ثمن الوقود.

مصر تعيش مرحلة صعبة، من نقص للعملة الذي لا يمكنها من شراء ما يكفي من بنزين والديزل لتشغيل محطات الكهرباء، ويقف الناس طوابير طويلة على محطات الوقود للحصول على البنزين، بالإضافة إلى الاختناقات المرورية في القاهرة، وانقطاع الكهرباء الذي أصبح أمرا مألوفا لدي المصريين، هذه مصر في شكل مصغر، تبرز العديد من المشاكل التي تراكمت على مدى سنوات عديدة.
ونجد الضغوط جميعها تتشابك في مصر وخاصة أن الطبيعة الأم نفسها متشابكة، من ضغوط المناخ والماء والغذاء والسكان جميعهم يتشابك مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي من شانها تجعل الأمر تحديا لأفضل القادة وتحد من عمله، حيث شهدت القاهرة بالأسبوع الماضي درجات حرارة تصل إلى 113 درجة فهرنهايت، 20 درجة فوق أعلى معدل يومي.
واحتلت عناوين الصحف الأسبوع الماضي بالقاهرة بناء سد النهضة في إثيوبيا، من أكبر السدود الكهرومائية في أفريقيا، ومن المرجح أن ينخفض حصة مصر من مياه النيل التي يعتمد 97% من سكانها على مياه النيل العذبة، ما يجعل الأمر قضية ضخمة لدي المصريين، وخاصة أن الرئيس محمد مرسي قال يوم الإثنين الماضي " نحن لا ندعو للحرب، ولكنا لن نسمح بتهديد أمننا المائي،"، ما اعتبرته إثيوبيا تهديدًا لها وأعلنت أن لا شيء سيقف بناء السد.
لقد جعل تصريح مرسي أن غزو إثيوبيا خيار مفتوح مما خيب آمال الكثير من المصريين، وخاصة لدى الناخبين غير الإسلاميين الذين انتخبوه لأن ليس لهم خيار غيره والذي كان بمثابة عصارة الليمون في الفم مجبرين على ذلك عند أكل شيء غير سار.
والكثير من المصريين عصروا على أنفسهم الليمون لتقبل المر ومنهم الليبراليين والمحافظين والقوميين الذين يشكلون المعارضة، ويمكن أن تشعر بوضوح الكره لجماعة الإخوان المسلمين الذين خدعوا الفقراء لمنحهم أصواتهم والآن فشلوا في إصلاح البلاد ولم يحققوا وعودهم لهم، ولم يسمحوا لمختلف التيارات المشاركة في السلطة ولكن انشغلوا فقط بفرض المعايير الدينية. ما جعل المر يتصاعد وتشن المعارضة حملت تمرد جمعت خلالها 10 ملايين توقيع لتجبر مرسي للتنحي عن السلطة يوم 30 يونيو المقبل، والدعوة لانتخابات جديدة، ولكن مازال مرسي يدعم في الريف بنسبة كبيرة ما يجعل الأمر سيئًا.

ولكن ما الذي يجب أن نقوم به لتجنب هذه الفوضى، لم أتحدث إلى سياسيين للإجابة على هذا السؤال ولكن تحدثت مع مجموعة من الناشطين في مجال البيئة الذين شاركوا في ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك، وكان لا بد من القيام بثورة، فمصر بحاجة إلى ثورة، لأن ما حدث قبل عامين بمثابة اللعب على الكراسي الموسيقية أكثر من ما هو ثورة، لتولي الجيش السلطة بعد الإطاحة بمبارك ثم تولي الإخوان بعد أن استطاع الإطاحة بالجيش، والآن المعارضة تحاول طرد جماعة الإخوان المسلمين، كل منهم يلعب سياسة قديمة وهي محاولة الخاسر الحصول على أي شيء ليفوز.

وفي الحقيقة هنا أي فصيل سيفوز، مصر بمثابة حفرة عميقة وتحتاج لإصلاحات ضرورية ومؤلمة جدًا ولكي يتحقق ذلك فيجب أن يشارك الجميع المسئولية والانتقال يكون من خلال حكومة وحدة وطنية، فالمصريون بحاجة ماسة إلى عملية سلام وليس مع إسرائيل، ولكن مع واحد آخر. فعلى الجميع تحمل المسئولية وليس الاستيلاء على الثورة، فهذه الثورة الحقيقية التي يجب أن تحدث في مصر.
لأن الأزمة التي تمر بها الصحوة العربية الآن هي أن بعض الفصائل تعتقد أنه بإمكانها القيام بكل شىء وحدها، فيما البعض القليل هم من يفكرون في الصالح العام وكيفية الوصول معا للأفضل، وتعد سوريا النسخة الأكثر تطرفا لهذا المرض، فيما تكافح مصر وليبيا وتونس واليمن ضد هذه القضية، مصر تختلف بالنسبة لهؤلاء البلدان لأن بها شبابا موهوبا يعي جيدًا أن مصر بحاجة لخطة مستدامة شاملة وطويلة الأجل للتجديد الوطنى، كما يفهموا أيضا خطأ أولئك الذين يقولون إن العرب جربوا كل شىء، الناصرية والاشتراكية والشيوعية والبعثية والليبرالية والأسلمة، ولكن لم ينجح شىء.
وهناك شيء وحيد لم يجربه العرب وهو السلوك البيئى، السبيل الوحيد لمصر وغيرها من بلدان الصحوة العربية للحصول على ديمقراطية مستدامة مع اقتصاديات مستدامة هو رفع مستوى الأخلاق البيئية إلى مركز التفكير السياسي، دون لعبة الكراسى الموسيقية.
الجريدة الرسمية