رئيس التحرير
عصام كامل

العرب أسروا الإسلام


لم يدرك المسلمون الأوائل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عالمية دعوة الإسلام وعموميته ودعوته الواضحة للسلم والتواصل والتعارف البشرى الإنسانى الجامع، وأصروا على إقليميته الجغرافية والمجتمعية، فهو عندهم قرشى عربى، وذلك مخافة أن يفقدوا الريادة فيه باعتبارهم عرباً نزل القرآن بلغتهم وعاش الرسول بين ظهرانيهم، وأبوا إلا امتلاك الإسلام من فرط انتمائهم له وانفعالهم به، فعوقوا مساره الإنسانى العالمى دون أن يدركوا ذلك .


وبالرغم من أن البيان القرآنى حض بوضوح على التعارف بين الأمم والشعوب وجعل الاختلاف بينهم من أصل سنة الخلق أعرض المسلمون الأوائل عن تلك الدعوة، وأٍسقطوا منهج التعارف الإنسانى من مقاصد الشريعة، فحظروا التعاطى مع فلسفات الإغريق، وحصروا تعريف العلم فى الفقه الشرعى، ونبذوا كل ماعداهم لعلةِ كفره، وتوسعوا فى مفهوم الغيرية، فقسموا العالم إلى دار إسلام ودار حرب، فخاضوا الحروب الضروس مع كل جيرانهم، وخلطوا بين واقع الإمبراطورية العربية الوليدة والطامحة للتوسع والامتداد بالحرب - شأن كل إمبراطورية - وبين انتشار الإسلام ذاته، فارتبط رمزه كما نراه الآن بصورة السيف المحارب البتار، فتسبب العرب الذين ادعوا ملكية الإسلام وحيازة رايته فى تشويه دعوته الرئيسة للسلم والسلام العالمى، كان ذلك يوم أن كانوا قوماً غالبين، فما عساهم اليوم يفعلون وهم المغلوبون الضعفاء، إنهم ما زالوا قائمين على نفس نظرة الإقصاء ومفهوم الغيرية، بل تمادوا أخيراً وحصروا مفهوم الإسلام داخل قمقم الحركة الوهابية النجدية الأشد انغلاقاً وعدوانية، وكأنهم وجدوا متسعاً لم يقبلوه فى عروبية الإسلام فشدوا وثاقه فى المفهوم النجدى المتشدد المنغلق .


لن يخرج الإسلام من أسر العرب له أبداً حتى ينكسر ذلك القيد الوهابى المتغطرس، وحينها سوف نرى الفقه الفرنسى يدلى بدلوه فيه، ويصلى المسلمون وراء ألمانى مسلمٍ فى الكعبة، ويلقى خطبة عرفات إمام من جنوب إفريقيا، بينما يحاضرهم أمريكى مسلم فى المسجد النبوى، ونستمع لصوت القراء المصريين ثانية فيه، وينتهى الخطاب الدعوى العدائى والمواجهات المفتعلة إلى غير رجعة، ويتوقف مسلسل البغض والعدوانية والقتل والطعن والتفجير وإسالة الدماء باسم الدين .
الجريدة الرسمية