رئيس التحرير
عصام كامل

بين المثقف والناشط والثورى


في عام 2002 كتبت مقالاً في صحيفة "الحياة اللندنية" عن تراجع دور المثقف التقليدى لصالح دور ناشط المجتمع المدنى، وبالفعل بعد سقوط أيديولوجية الكتلة الشرقية عام 1989 وبروز العولمة وما صاحبها من تنامٍ سريع لدور المجتمع المدنى، تراجع كثيرًا دور المثقف التقليدى وبرز دور نشطاء المجتمع المدنى، وبات معروفا أن الأمم المتحدة تمثل الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى وتمثل الشعوب بل وتراقب تطبيق المواثيق الدولية من قبل الدول ومن قبل الأمم المتحدة ذاتها لصالح المواطن المعولم، وبالتبعية لم يعد المستبدون يخشون ما يكتبه ويقوله المثقفون والكتاب بل كانت حساباتهم ومخاوفهم من نشطاء المجتمع المدنى القادرين على نقل ما يحدث داخل الدولة من انتهاكات إلى المجتمع الدولى، وقادرين عبر تفاعلهم مع نظرائهم من نشطاء حول العالم لوضع الدولة تحت المساءلة في المنظمات الدولية وأمام الرأى العام الدولى وكذا مع شركاء هذه الدولة في الغرب.. ومع تطور المجتمع المدنى واعتبار تقاريره مصدرًا للمسئولية الدولية واعتماده كمدع أمام المحاكم الدولية زادت عداوة المستبدين له ومطاردتهم لأنشطته، ونظرًا لأهميته ودوره المتصاعد وتأثيره الدولى، انخرط كثير من المثقفين والأكاديميين والكتاب في أنشطة المجتمع المدنى.. انتقل المجتمع المدنى خطوة أخرى كبيرة بتصدره وقيادته لما عرف بالثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا وصربيا ولبنان والإرهاصات الثورية الخضراء في إيران، ومع اندلاع موجة ما سمى بالربيع العربى عادت الأضواء مرة أخرى لتتسلط على المجتمع المدنى باعتباره مفجرًا رئيسيًا لهذه الثورات، ولكن لأن المنطقة العربية لها خصوصية خاصة حتى في الاستبداد، ولأنها تشكل استثناء في كثير من الأشياء، تم خطف هذه الثورات المدنية واتجهت إلى جهة أخرى دينية لا تعرف ولا تعترف لا بالمجتمع المدنى ولا بالدولة المدنية، ولكن أهم أدواتها الخداع الدينى والعنف الدينى والتكفير الدينى، ولهذا مع نهاية الموجة الأولى لهذه الثورات واتجاهها نحو الاستبداد الدينى تراجع دور ناشط المجتمع المدنى ليحل محله دور الثورى المتفرغ والدائم الثورية، بمعنى باتت أدوات المجتمع المدنى التي كانت تغيظ المستبدين العسكريين والقوميين محدودة التأثير في المستبدين الدينيين، ولهذا برز دور الثورى أكثر وتراجع دور ناشط المجتمع المدنى، ومن ينظر إلى المجتمع المدنى في مصر حاليًا تحت حكم الإخوان يجده في منتهى الخمول وضعف التأثير وتراجع الدور.. والسؤال الذي يدور في الذهن ألا يعتبر ناشط المجتمع المدنى ثوريًا بل ومفجرًا لبدايات هذه الثورات؟ الإجابة قطعًا بالإيجاب ولكن إلى حد معين، فالثورى الجديد في المنطقة العربية هو شخص لا يرى قيمة كبيرة في تقارير وفاعليات المجتمع المدنى في التأثير على المستبد الدينى، ولكن يرى الحل في الشارع، التظاهر والاعتصام والإضراب والكر والفر والعصيان المدنى والتمرد بل وحتى استخدام العنف، فلا جدوى من وجهة نظره في إصدار بيان أو كتابة تقارير أو عقد مؤتمر مع مجموعة دينية مصابة بالجهل والغرور معًا ولا تعرف سوى لغة القوة ولا تدرك حتى معنى المجتمع المدنى، بل وترفض تسميته بالمجتمع المدنى بل المجتمع الأهلي وهى الكلمة الآثرة عند السيد فهمى هويدى منظر الإسلاميين.. والثورى الجديد مستعد أن يموت وهو يقاتل المستبد، وفى لحظة ما مستعد أن يتحالف مع الشيطان بل وما هو أكثر قذارة من الشيطان ذاته للقضاء على هذا المستبد كما يحدث في سوريا حاليًا على سبيل المثال، فالتحالف مع مجموعة مثل جبهة النصرة من آكلى قلوب البشر هو تطور مرعب في تحالفات الثورى الجديد.. الثورى الجديد ملعبه هو الشارع ورهانه على الشارع لتحقيق التغيير.. ولكن ماذا سيحدث لو سد المستبد الدينى أذنيه حتى عن سماع صوت الشارع الهادر؟ في هذه الحالة إما أن تدخل القوات المسلحة كقوة قادرة على إزاحة المستبد مستجيبة لنبض الشارع أو سيتحول الشارع نفسه إلى بركان هادر وإعصار مدمر يجرف أمامه الاستقرار والأمن وممتلكات الناس، أي سيتحول الثورى إلى بلطجى مدمر، وهذا ما يتوقعه البعض في مصر تحت مسمى ثورة الجياع.

خلاصة القول كلما كان البلد متقدمًا وبه مؤسسات كلما كان صوت المواطن العادى مسموعًا ومؤثرًا وصوت الكاتب والمثقف والصحفى له وزنه، أما مع المستبد ووفقًا لدرجة استبداده فيتراجع دور المواطن العادى لصالح المثقف والمثقف لدور ناشط المجتمع المدنى وناشط المجتمع المدنى لدور الثورى وأخيرًا دور الثورى لدور البلطجى والحرامى والإرهابى..... وعند هذا الحد نكون قد وصلنا لحالة الدولة الفاشلة.

نقلاً عن جريدة فيتو الأسبوعية

الجريدة الرسمية