رئيس التحرير
عصام كامل

عن خرافة التحصين الدستورى لمجلس الشورى


بعد أيام قليلة، ستفصل المحكمة الدستورية العليا فى الطعن على دستورية قانون مجلس الشورى، وبهذه المناسبة يعن لى أن أسرد نوعين من الحقائق التى تتعلق بالموضوع وما تردد حوله.. وأولى هذه الحقائق سياسية والأخرى قانونية.


أولا: الحقائق السياسية المرصودة واقعيا: 


الحقيقة الأولى: فى عهود التخلف الدستورى، التى تقوم عليها أنظمة قمعية تساندها طرة من رجال القانون، تتبارى الجهود فى تحصين العمل غير المشروع وتتفنن قرائح "ترزية القوانين" الجدد فى وضع القرارات المعدومة بمنأى عن الرقابة القضائية.

الحقيقة الثانية: طرة من أصحاب الرأى من الذين نالوا مكافأة التخلى عن الضمير العلمى منصبا أو مكانة، وكأن وظيفة أستاذ جامعى لا تكفى لإشباع نهم لا يرضى (بضم الياء) فيرضى ( بفتحها)، قرروا تزييف أبسط مبادئ القانون العلمية التى نقوم بتدريسها لطلاب الحقوق منذ السنة الأولى حتى يساندوا أوضاعا باطلة قانونا وغير مقبولة سياسيا.

وأشفق أن أرى علم القانون فى مصر وقد أخرسه الوهن وأسكته دوى الغوغاء وهواة المناظرات الإعلامية التى يتبارون فيها بين جاهل بدرجة ضعيف وجاهل بدرجة ضعيف جدا.. وهكذا نتحول من الرأى الغريض إلى الفكر المريض ويفتقر علم القانون إلى الموضوعية والعلمية والسداد.. ومن هنا كان الواجب بالتذكير ببعض الحقائق العلمية التى يجب ألا تغرب عن البال إذا كان لكلمة "علم القانون" فى مصر أى معنى...

ثانيا: الحقائق القانونية.. 

الحقيقة القانونية الأولى: 

إن تحصين مجلس الشورى الحالى بالمادة ٢٣٠ من الدستور التى أسندت له مؤقتا وعلى سبيل الاستثناء القيام بالوظيفة التشريعية، هو هراء لا أكثر ولا أقل.. بل لا علاقة لهذا الادعاء بالاختلاف فى وجهات النظر لأنه خطأ علمى جسيم أو خزعبلات تثير السخرية أو الشجن.. وذلك للأسباب الآتية:

أولا: ليس فى الدستور الجديد بالفعل أى نص صريح يمنع المحكمة الدستورية من نظر دعوى دستورية مقامة أمامها قبل العمل بالدستور ذاته والفصل فيها كما تشاء، حيث لا يجوز التدخل فى شئون العدالة..
 
ثانيا: ليس بالدستور الحالى ما يحظر على وجه الخصوص، القضاء ببطلان تشريع سبق القضاء ببطلانه فى حالة أخرى وهى حالة مجلس الشعب فى ١٤ يونيو الماضى.

ثالثا: ليس فى نص المادة ٢٣٠ أى عبارة مانعة من القضاء ببطلان التشريع الذى تشكل الشورى على أساسه لأن مهمة المحكمة الدستورية ليس القضاء بحل المجلس وإنما القضاء فى دستورية أو عدم دستورية نص تشريعى.. والحل ليس إلا نتيجة منطقية لازمة لعدم الدستورية إذا ما قضى بها.

رابعا: لم تنص الماده ٢٣٠ من الدستور إلا على "تولى مجلس الشورى بتشكيله الحالى سلطة التشريع" ولم تحصن بأى حال من الأحوال هذا التشكيل الحالى، (ويقصد بكلمة "الحالى" فى النص لحظة بدء العمل بالدستور) بدليل أن رئيس الجمهورية تدخل لاحقا على ذلك التشكيل ( الذى كان قائما لحظة نفاذ الدستور) وقام بتعيين ٩٠ عضوا ( حوالى ثلث الأعضاء من اتجاه سياسى واحد !!!)..

خامسا: ليس فى هذا النص ( م ٢٣٠)  إلا إسناد لمهام مجلس الشعب إلى الشورى لحين انتخاب مجلس النواب اللهم إلا إذا تدخل ظرف استثنائى كالقضاء ببطلان قانون مجلس الشورى قضائيا مما يترتب عليه حله لبطلان تشكيله (كأثر مترتب على بطلان وعدم دستورية قانونه).. ومن المستحيل أن نتصور أن السلطة التأسيسية كان يمكنها أن تورد نصا خاصا فى حالة بطلان قانون انتخاب الشورى لأنه يكفى الرجوع إلى المبادئ العامة فى القانون لمعرفة أن الدعاوى المنظورة أمام القضاء يعمل فيها بالقانون الواجب التطبيق لحظة رفع الدعوى وليس لحظة الحكم فيها. 



الحقيقة القانونية الثانية:

الدستور الجديد ( وهو القاعدة القانونية الجديدة)،  ليس له أثر رجعى على المراكز القانونية والدعاوى القضائية المرفوعة قبل نفاذه ولم يصدر فيها حكم بعد ( وفقا لنظرية الأثر الكاشف فى دعاوى الإلغاء وفى دعاوى الدستورية)، هذا إذا كانت تلك المراكز صحيحة قانونا،  فما بال لو كانت هذه المراكز باطلة وقائمة على نصوص يعتورها البطلان القانونى لمخالفتها للقواعد الدستورية التى نشأت فى ظلها.. فقانون انتخاب مجلس الشورى يقضى فيه بحالته التى كان عليها وقت رفع الدعوى أو وقت الإحالة إلى المحكمة الدستورية والعبرة بلحظة اتصال علم المحكمة به.. وإلا زال الأثر الكاشف للأحكام فى الدعاوى الدستورية، وهو أمر لصيق بالدعاوى العينية كالإلغاء والدستورية.


للحديث بقية... 

الجريدة الرسمية