رئيس التحرير
عصام كامل

خطة الإخوان لإنقاذ أردوغان من فخ "اضطهاد الأقليات".. الجماعة تسدد فاتورة "الإيواء والتمويل".. تجنيد عناصر "الإرهابية" لتعزيز الوجه المستنير للرئيس التركي.. وتوقعات بضربة مخابراتية غربية لإسطنبول

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

«ملجأ مدفوع الأجر».. من هنا يمكن الحديث عن العلاقة الوطيدة التي تربط بين جماعة الإخوان الإرهابية، والدول التي لا تزال تفتح مطاراتها لاستقبال القيادات الهاربة، وتوفر لها الدعم المادى والمعنوى لاستكمال مسيرة «شيطنة الوطن العربى»، وتعتبر تركيا واحدة من الوجهات المفضلة للجماعة الإرهابية، شبابا كانوا أو كبارا، غير أن الإقامة في جمهورية أردوغان «مدفوعة الأجر»، ليس هذا فحسب، لكن الرئيس التركي يبدو أن عقد اتفاقًا مع قيادات «الإخوان» يقضى بأن يقدموا أي خدمة يطلبها منهم دون مجادلة أو مناقشة، وهو ما نجح فيه «إخوان تركيا» حتى الآن، لا سيما وأنهم تربوا منذ سنوات طويلة على «السمع والطاعة العمياء».


خدمة الرئيس التركي
وبالنظر إلى الخطوات التي يخطوها «إخوان تركيا» والقضايا التي يدافعون عنها صباح مساء، يكشفون أنهم ليس أكثر من رقم في معادلة العثمانيين الجدد، يؤدون دورهم في خدمة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يسخر تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، لمصالح نظامه وأحلامه العثمانية، وكذلك يسخرهم للعمل كرأس حربة للدفاع عن صورته على جميع وسائل الإعلام التي تنطلق من تركيا.

ضربة مخابراتية غربية
آخر ما يتردد حاليا داخل التنظيم، توجيه الإخوان تعليمات للحديث بود مفتعل عن الأقليات في تركيا، وخاصة المسيحيين واليهود على جميع وسائلهم الإعلامية، وذلك تحسبًا لضربة مخابراتية غربية لأردوغان، قد تبدأ بعد انتهاء عمليته العسكرية في شمال سوريا.

وتشير التعليمات الجديدة، إلى أن الغرب سيلعب على مساحة أزمة التسامح الديني في تركيا، بعد صراع «أردوغان» الشرس مع الأكراد على عكس رغبة العالم، فالرجل الذي يتولى مسئولية بناء عشرات المساجد في أمريكا وأوروبا، وخاصة التي تنشط فيها التيارات الدينية، ويدعمها بشكل مباشر من حكومته، يضطهد في الوقت نفسه المسيحيين واليهود، الذين يتم فرض القومية التركية عليهم قسرًا، وتدمير هويتهم المسيحية.

والبحث في المعلومات الواردة من داخل التنظيم، بالنظر إلى الواقع التركي، يجعلنا نجمع أطراف اللعبة لصالح صحة ما يتردد عن كيفية دعم أردوغان من الإخوان، فالمسيحيون يعيشون أزمة كبرى في البلاد، وهناك حصار شبه دائم مفروض عليهم، لدرجة أن اللغة الآرامية ممنوعة من عام 1923 عن المسيحيين، ومحظور دراستها في المدارس والكنائس، ما يفسر تناقص أعداد المسيحيين المستمر، إذ يمثل تهديد اللغة وموتها على هذا النحو فناء علوم اللاهوت وتعاليم الديانة المسيحية والكنيسة المكتوبة بهذه اللغة.

وفى المقابل.. تتحفز أغلب وسائل الإعلام الغربية، وتقف داعمة للساسة في البلدان الأوروبية ضد أردوغان، الذي أصبح يمثل لهم أخطر تهديد للأمن العالمي بسبب تصرفاته العدوانية، سواء في الحرب على سوريا تحت زعم تهديد الأكراد، أو لتدخلالته الدائمة في الشرق الأوسط، وتعامله مع المجتمع الدولي، بغطرسة وعدائية غير مسبوقة، وضد كل من ينتقد نظامه أو تصرفاته.

حالة من الضيق
ويعلم الإخوان الذين يعيشون بأوروبا، وبعضهم مدسوس من الأجهزة الأمنية التركية لمعرفة ماذا يحدث في الداخل الأوروبي، أن هناك حالة من الضيق تعم المجتمعات الغربية، بسبب مساهمة الرئيس التركي في شيوع التطرف، ودعمه لحركات الإسلام السياسي بأوروبا، التي أصبحت تقسم بين المواطنين، وتخلق بينهم وبين ثقافة البلدان التي يعيشون فيها آلاف الجزر المنعزلة.

ولا تقف مسئولية أردوغان عند حد دعم التطرف في أوروبا فقط، بل تتخطاها إلى أمريكا نفسها، ويمكن العودة إلى مشهد افتتاح مركز «ديانيت» الأمريكي، في 2 أبريل 2016، وهو أكبر مسجد في أمريكا، ويقع في لانهام بولاية ماريلاند، وحضور كبار قادة منظمات الإخوان حول العالم، وكأنهم أتوا لنصرة فاتح إسلامي في بلاد الغرب.

مسجد «ديانيت»
مشهد حضور «أردوغان» مع الإخوان بهذه الطريقة التي أزعجت وسائل الإعلام الغربية، وجعلها تبحث عن القضية الحقيقية، التي تقف خلف مسجد «ديانيت»، وسريعا تكشف أنه ممول بشكل كامل من مديرية الشئون الدينية في جمهورية تركيا، وهو ما يفسر لماذا أنفق أردوغان 100 مليون دولار على بناء هذا المسجد وحده، في وقت لا يسمح فيه للمسيحيين واليهود بانتهاج مثل هذه الممارسات، ورفض حصول دور العبادة على أي دعم خارجي للديانتين.

وهذه التناقضات التي تستفز وسائل الإعلام العالمية، دفعتها لأن تتحدث بشكل دوري في هذه القضية، وتهتم بفتح التحليلات على مصراعيها، فضلًا عن فضح تمويل «أردوغان» لكل أنواع المظاهر المعادية للغرب، وعلى رأسها المساجد التي يدعمها داخل أراضيهم، وبالتالي أصبح مكمن الخطر أن بلادهم تتصدى للإرهابيين المحتملين من الخارج، الذين لا يستطيعون دخول البلاد، ولكن هذه التصرفات التركية، ستصنع الإرهاب من الداخل، بسبب دعمه لمنظمات الإخوان والسلفيين والدوائر الأخرى التي يدعمها.

وبالعودة إلى الملف الذي يعتزم «الإخوان» مناقشته ردًا على هذه المعلومات الاستخباراتيه، سيتحدث الإعلام الإخواني عن القيم الإسلامية التي يحملها أردوغان، وفي الوقت التي سيلعب فيه على إثارة المشاعر الإسلامية، على خلفية دعم حماس بمئات الملايين من الدولارات كل عام، بعدما أصبح دون لبس، الزعيم العالمي للجماعة، سيتحدث أيضا عن خطة الرئيس التركي، لتعزيز ثقافة نشر المساجد في أوروبا، حتى لا يتأثر المسلمون حول العالم بما قد ينشر عن قضايا اضطهاد المسيحيين واليهود في تركيا.

كما سيحاول الإعلام الإخواني، تعزيز الوجه المستنير لأردوغان، لنفي الصورة التي أصبحت مستقرة في الغرب عنه، والتي تدعمها وسائل الإعلام العربية المعارضة للتدخل التركي في شئون المنطقة، وحتى يحدث ذلك يجب تعميم صورة الحاكم المسلم الذي يدعم فلسطين، وحماس، بجانب تكثيف مشاهد المواقف الإنسانية له على الشاشات، على شاكلة إمساكه بفتاة تبلغ من العمر ست سنوات ومداعبته لها، وبكائه أكثر من مرة على الإخوان في مشهد يجسد إنسانيته المزعومة.

ويبدو أن الجماعة لا تعرف أن كل القوى المجتمعية في أوروبا باتت على علم تام بمخططاتها، وليس الأجهزة الأمنية فقط، وأصبح الأكاديميون والباحثون والمثقفون، في خط الهجوم ضدها، وآخر من حذر من خطر الإخوان ديفيد فيليبس، مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد دراسات حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا، الذي أكد أن «المساجد التي يدعمها أردوغان ليست أماكن للعبادة، ولكنها مراكز للتعبئة السياسية لخدمة النظام التركي، الذي يرفض أي دعم خارجي في المقابل، لبيوت العبادة المسيحية واليهودية في بلاده».

تمويل تركي للدين
ويراهن «فيلييس» على ما أسماه «ذكاء الجمهوريين» الأمريكيين، الذين يمكنهم دون شك حظر كل تمويل تركي للدين في أمريكا، وكذلك تسمية جماعة الإخوان، جماعة إرهابية، وبعد هذه الخطوة لن يكون هناك هامش للمناورة مرة أخرى لأردوغان وجماعته التي تستخدم المكر والخداع في تمرر أهدافها لتهديد أمن العالم الحر، في الوقت الذي استطاعت دول مثل روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين، الوقوف بوضوح على الخطر الداهم للتنظيم، وصنفوها بالفعل جماعة إرهابية، ورفضوا التعاون الكامل مع الرئيس التركي، باستثناء روسيا التي تعلب على جميع المتناقضات لحسم صراعها مع الولايات المتحدة.

ويرى مدير برنامج بناء السلام والحقوق، أنه «في ظل الحرب التي يشنها أردوغان على الأكراد والمسيحيين واليهود في بلاده، لن يجد الجمهوريون وقتًا أفضل للإطاحة بإمبراطوريته، والاستفادة من حماسته المزعومة في حرب غبية، يشنها ضد الأكراد والعالم بأكمله».

بدوره أكد حسن محلي، الكاتب والباحث، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الوحيد من بين أقرانه في الشرق والغرب، الذي يحمل راية الإسلاميين، ويصر على حمايتهم، لافتا إلى أنه يتبنى كل حركات الإسلام السياسي عربيًا وعالميًا.

وأوضح «محلي» أن «مدينة إسطنبول، تستضيف أسبوعيًا العديد من الفعاليات الإقليمية والدولية بعناوينها الإسلامية المختلفة، كما تأوي قيادات وممثلي كل هذه الحركات الإسلامية، وأردوغان يستغل هذه التناقضات بانعكاساتها وتفاعلاتها الإقليمية والدولية، في محاولة منه لزعامة الإسلام السياسي، ظنا منه أنه وريث الإمبراطورية العثمانية، التي كان ينافسه عليها، الداعية فتح الله جولن، المدعوم أمريكيًا، قبل أن يتخلص منه صيف 2016، كما أنه يمكن القول إن الغرب أخيرا استفاق من غفلته، وبدأ يعرف معنى وخطورة أردوغان والإسلاميين على المنطقة».

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية