رئيس التحرير
عصام كامل

طوارئ "قصر العينى"!


استدرجتنى الأقدارُ كَرهًا، مساء الخميس الماضى، إلى الذهاب إلى طوارئ "قصر العينى"، برفقة عجوز أنهكها المرضُ. كنتُ أسمع وأقرأ عن أوضاع المستشفيات الحكومية والجامعية وتردِّى أوضاعها، ولكنْ لم أتخيلها بهذا السوء، لا سيما مستشفيات العاصمة، المتاخمة لمقر مجلس الوزراء ومعظم الوزارات، ومن بينها: "التعليم العالى" و"الصحة والسكان".


كانت الساعة تقترب من الثالثة فجر الجمعة. بدا المشهد ضبابيًا لا يليق بمستشفى جامعى أو قاهرى. كلُّ شيء على غير ما يُرام. الفوضى تعمُّ المكان. والإهمال يضغط على جميع تفاصيله ومفاصله. لأول وهلة.. تشعر أنَّ مؤشر الزمن ارتدَّ بك إلى الخلف بضعة عقود أو قرون من الزمن. تظن أنك بداخل مصنع مهجور، أو مخزن غير مسكون، أو مستشفى بيطرى وليس بشريًا.

تدرك أن كل ما يتردد عن رصد ملايين الجنيهات للاهتمام بصحة المصريين "محضُ وهمٍ" و"مُجرد خيالٍ". المرضى يفترشون الممرَّ المؤدى إلى "الطوارئ". منهم من يفترش الأرض، ومنهم من يتمدد على مقاعد خشبية متهالكة محفور عليها أنها "وقف خيرى"، ومنهم دون ذلك!!

المدخلُ الترابى، يقودك سريعًا إلى "قسم الطوارئ". رائحة الموت تفرض سطوتها على كل شئ. الأسرَّة محدودة ومتهالكة ومتآكلة وعفنة. حتى المكتب الخشبى الوحيد الذي يتشارك فيه الأطباء يدعو إلى البؤس. النظافة تخاصمُ المكان بالكامل وتبادله العداءَ.

الأطباء حديثو التخرج مرتبكون من كثرة الضغط عليهم وتزاحم الحالات الطارئة حولهم. هم معذورون بلا شك. الممرضاتُ حائرات ومُرهَقات. دورة المياه المُخصصة للمرضى ليست أكثرَ من "مرحاض عمومى". أمَّا الحمَّام المُخصص للمرافقين، فسوف تفكر ألف مرة قبل دخوله. لا وجود للمستلزمات الطبية بالمستشفى الجامعى الأشهر. يجب أن تكون متأهبًا في أي لحظة للبحث عن صيدلية مفتوحة في هذا الوقت، وقد تجد ما تريد، وقد لا تجده.

الوقت يمر بطيئًا، وكأن شللًا رباعيًا أصابه. لا شيء يأتى في موعده. نتيجة التحليل تأخرت حتى مطلع الفجر. ونتيجة الأشعة تستعصى على الظهور. والمرضى بانتظار ما لا يجيء. المحظوظ منهم من يجد سريرًا يتمدد عليه. أما البائسون فبين جالسٍ على كرسى متحرك، أو متمدد على الأرض، يصرخون ألمًا ووجعًا، ولا أحد يشعر بهم.

من المؤكد أن وزير التعليم العالى، المهتم بـ "دراجة لكل طالب"، ووزيرة الصحة المشغولة بأمور شتَّى، ليس من بينها تخفيف أوجاع المرضى، لم يزورا طوارئ قصر العينى، منذ استوزارهما، ولم يخطر ببالهما يومًا أن يزوراه، أو يكلفا أيًَّا من معاونيهما بزيارته. وربما لو أن كليهما أو أحدًا منهما زاره لخجل من نفسه، وأدرك أنه لم يؤدِ دوره على الوجه المطلوب، وربما استقال، وإن كانت استقالة الوزراء في مصر أمرًا بعيد المنال.

والسؤال: إذا كان هذا هو وضع طوارئ قصر العينى، أول مدرسة طبية وُضعت للناس في مصر، فكيف حال بقية المستشفيات الجامعية والحكومية في أنحاء المحروسة؟ أدعو "وزير الدراجات" و"البنج بونج" إلى أن يفعلها مرة واحدة، ويتخلى عن الكاميرات والأضواء، ويذهب ليلًا إلى طوارئ قصر العينى والمستشفيات الجامعية، لعله يصدر قرارًا إصلاحيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا بشأنها، يذكره الناسُ به، بعد مغادرة الوزارة قريبًا إن شاء الله!
الجريدة الرسمية