رئيس التحرير
عصام كامل

«مدارس على خطوط النار».. كيف مرت أول أيام الدراسة في اليمن

فيتو

يوم الأحد الماضي، وبينما كان المصور اليمني أحمد الباشا يتجول في شوارع مدينة تعز المنكوبة، التقطت عدسة كاميرته صورا لتلاميذ في المرحلة الابتدائية يتلقون دروسهم داخل مدرسة متحطمة الجدران، دمرتها آلة الحرب الملعونة في اليمن التعيس.


جابت صور تلاميذ اليمن العالم بأسره، ولاقت تعاطفا كبيرا، بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها أطفال لا ذنب لهم فيها يجرى على أرض بلادهم التي أضحت مسرحا لصراعات إقليمية بسبب الحرب بين الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة من دول التحالف العربي.

"فيتو" حاورت المصور اليمني عن كواليس تلك الصور، وكيف مرت أيام الدراسة الأولى في اليمن، وكيف تعامل أولياء الأمور مع الأوضاع الصعبة لصغارهم.

"الباشا" الذي يعمل لصالح وكالة الأنباء الفرنسية تحدث بكثير من المرارة عما آلت إليه الأوضاع في بلاده والظروف الصعبة التي يؤدي فيها عمله :" التصوير في ظروف الحرب يحفها الكثير من المخاطر والمعوقات، ظروف أمنية معقدة وأوضاع إنسانية صعبة، وأن تحاول ممارسة دورك الصحفي فهو أمر جلل فهي مهنة كما يصفها الكثير "مهنة البحث عن المتاعب " ولكن الدوافع الإنسانية والمهنية والشغف هو الدافع الكبير للعمل في هكذا ظروف ومن خلالة تستطيع التعامل مع كل المعوقات للوصول إلى الحقيقة أو المعاناة ونقلها إلى العالم".

مدينة تعز اليمنية كان لها نصيب كبير من الدمار الذي لحق باليمن منذ اندلاع المواجهات بين الحوثيين والقوات الحكومية اليمنية :" مدينة تعز ( جنوبي اليمن) أكثر المحافظات اليمنية تعدادًا بالسكان والمعاناة حيث دارت فيها اعنف المعارك وخلف ذلك من وراءه أكبر معاناة إنسانية خلفت فيها الحرب تركة ضخمة من الضحايا فمن مجموع 11267 مدنيا قتل في اليمن منذ بداية الحرب، 3796 مدنيا قتلوا بمحافظة تعز، من بينهم 349 ضحايا الألغام و811 ضحايا قنصًا، ويقدر عدد الجرحى ب 15755 شخصا".

"عاني المدنيون في تعز من حصار كامل لأكثر من عامين قبل أن يتم فتح هذا الحصار ليتحول إلى حصار جزئي قسم المدينة إلى جزئين يحتاج فيها المدني للوصول إلى الطرف الآخر للمدينة أكثر من 6 ساعات عبر الطرق الجبلة الوعرة وذلك من أجل زيارة الأهل أو للحصول إلى الخدمات الطبية"، يقول الباشا.

لم تترك الحرب شيئا على حاله في اليمن، الخسارة نالت من الأخضر واليابس والمنازل والمدارس والمستشفيات، وتحول اليمن السعيد إلى اليمن التعيس، يقول الباشا: "لا تتوفر الكثير من الخدمات في المدينة، المياه مقطوعة منذ بداية الحرب ويعتمد السكان على الصهاريج لنقل المياه، وكذلك الكهرباء التي لا وجود لها مطلقًا منذ بداية الحرب ولكم أن تتخيلوا أنه منذ 4 سنوات لم يعرف السكان الكهرباء الحكومية ويستخدمون الطاقات الشمسية والبطاريات والمولدات فقط لتستمر الحياة".

نال المبانى المدرسية ما نال اليمن من دمار : "الكثير من المدارس مدمرة بسبب الحرب والكثير منها أم مغلق بسبب تحويله إلى مواقع عسكرية، وأخرى بسبب الألغام أو وقوعها بالقرب من خطوط النار، وهذا جعل من قطاع التعليم في تعز أكثر القطاعات تضررًا وعليه أما على الطلاب أن يدرسوا في الفصول المدمرة أو في العراء أو المساجد في غالب الأحيان وهناك مدارس أخرى سليمة ولكن تكتظ بالآلاف من الطلاب وغالبًا ما تكون وسط المدينة أو بعيدة عن لذلك لجأ السكان للمجازفة من أجل الحصول على التعليم".

تكيف الأهالي مع ظروف الحرب التي أجبرتهم للتعايش معها، لكنهم يدركون أن التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمدون به أبناءهم: "هناك الكثير من الأهالي يرسلون أبناءهم إلى مدارس لا يفصل بينها وبين خطوط النار أقل من كيلو متر، وتحدث الكثير من الحوادث لهم مثل القنص أو إصابة الطلاب بمقذوف أو قصف، لذلك تفاصيل الحياة وسط الحرب فيها الكثير من المجازفة والمعاناة التي يضطر السكان لتحملها لأنه لا توجد خيارات أخرى بسبب طول أمد الحرب وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف النزوح أو استبدال منازلهم".


معاناة اليمنيين نقل المصور اليمنى بعضها في صور التلاميذ :" الصور نقلت جزء بسيط مما يعانيه المدنيون في تعز التي تعاني منذ 4 أعوام".

قد يرى البعض أن هذا الصور " قمة المعاناة " لكن للمصور أحمد الباشا رأيا آخر: "يوجد ما هو أقسى وأصعب من هذه المعاناة، فقد زرت مدارس أكثر دمارًا وأخرى مازالت حقول الألغام من حولها، ومدارس على خطوط النار تحت رحمة القناص والقذائف"

لم يتوقع الباشا كل هذا الاحتفاء من الجمهور ظن أنه ينقل معاناة كسائر الكوارث التي ضربت المجتمع اليمني: "سعيد بهذا الاحتفاء من قبل الجمهور لأن ذلك يعني أن الرسالة الإنسانية وصلت إلى العالم كله، وهي فرصة لمناشدة العالم لتكثيف الجهود لإنهاء هذه الحرب ورفع المعاناة عن السكان والمدنيين، هذا هو هدفي من وراء كل لقطة إنسانية اقوم بتوثيقها هي إيصال الرسالة العالم عن معاناة اليمن بسبب هذه الحرب ولحثهم على مزيد من الجهود الإنسانية الرامية لإغاثة هذا الشعب المنكوب وتكثيف جهودهم لإيقاف هذه الحرب الظالمة".

يعيش "الباشا" في مدينة تعز اليمنية، ويمارس فيها عمله كمصور منذ أكثر من 11 عاما، وتخصص في التصوير الصحفي منذ أحداث الربيع العربي التي شهدتها عدد من الدول العربية منها اليمن، ويعمل مصورا للوكالة الفرنسية منذ 2015م في تغطية الأحداث والأوضاع الميدانية في مدينة تعز والمناطق المجاورة لها التي تشهدًا حربًا منذ 4 أعوام.


الجريدة الرسمية