رئيس التحرير
عصام كامل

نفاق "دم النخل"


نذكر جميعًا الأعمال الدرامية الرائعة، التي قدمها المخرج السوري "نجدت إسماعيل أنزور"، مقدما من خلالها مشهدية بديعة لم تعرفها الدراما العربية قبله، كما طرح في أعمال الفانتازيا، إسقاطات وأفكارا سحرت من شاهدها مازجا فيها الواقع والتاريخ والخيال، وتبوأت معها الدراما السورية الصدارة عربيا في سنوات خلت، حتى ظن أنزور أنه أقرب ما يكون إلى "الأوسكار".


طوال مشواره المميز بعلامات فنية لا تنسى، كان "أنزور" ابن النظام المدلل، وهذا لا يعيبه في شيء، حتى حين دأب على الإدلاء برأيه السياسي خلال الأزمة السورية، داعيا إلى إبادة من عارض نظام الحكم وثار عليه، ظل هذا في إطار الرأي الشخصي لأحد أبرز مؤيدي الرئيس السوري.

التحق "أنزور" بالعمل السياسي ودخل البرلمان نائبا، ثم عين نائبا لرئيس مجلس الشعب السوري، وظل ملتزما بعمله الفني، لكنه لم يستطع الفصل بين رأيه الشخصي وقناعته كفنان ومواطن سوري، وبين موقعه كسياسي ونائب لرئيس مجلس الشعب، وعليه لم يتمكن من جمع طوائف الشعب، بل زادهم فرقة وتقسيما!

في آخر أعماله فيلم "دم النخل" خلط "نجدت" الحابل بالنابل، وضاعف من نفاقه للرئيس السوري، وتسبب في أزمة مع إحدى طوائف الشعب بوصف أبنائها بـ "الجبناء"، ولولا إلغاء عرض الفيلم لمراجعته ومحاولة ترضية من أساء إليهم لحدث ما لا يحمد عقباه.

قدم "دم النخل" في عرضين، الأول للصحافة، والثاني حضره الرئيس السوري "بشار الأسد" وأسرته، لكنه أثار حنق وغضب أبناء محافظة السويداء، الذين أهدروا دم "نجدت أنزور".

"دم النخل" اقتبست فكرته، من هجمات تنظيم "داعش" على آثار "تدمر"، وصُوِر في ريف دمشق ومدينة تدمر. كما يروي قصة عالم الآثار السوري "خالد أسعد"، الذي أعدمه التنظيم الإرهابي في أغسطس 2015.

الفيلم، يؤدي ممثلوه أدوار جنود في الجيش السوري، لكنه وصف شباب محافظة السويداء، التي تقطنها أغلبية من طائفة الدروز بـ "الجُبناء"، عبر شخصية جندي يتحدث لهجة المحافظة، لكنه يرتعد ذعرا من التنظيم ويتوانى في الدفاع عن بلده، بينما يدافع عنهم جنود من طائفة الرئيس "العلويين"، عبر جندي آخر منحه البطولة، ويتحدث لهجة "الساحل" الذي ينحدر منه الرئيس السوري.

الغريب أن الفيلم تأليف "ديانا كمال الدين" التي تنحدر من السويداء، وسبق أن قدمت مع أنزور "رد القضاء" و"فانية وتتبدد"، دافعا فيهما عن النظام بذريعة محاربة الإرهاب.

ثارت غضبة دروز السويداء من الفيلم، الذي يمنح العلويين البطولة على حساب طائفة الدروز، مستشهدين بتصدي شباب الدروز لهجمات "داعش" على السويداء العام الماضي، ودفاعهم عنها حيث قُتل العشرات منهم، في وقتٍ تراجعت فيه قوات النظام إلى ثكناتها، واعتبروا أن "أنزور" مزور ومزيف للتاريخ واتهموه بالجهل، كما صبوا غضبهم على الكاتبة "ديانا"، ابنة السويداء، لأنها تعرف حقيقة نضال وتاريخ الدروز، ولا عذر لها.

لم تتحمل مؤلفة الفيلم الانتقادات وأرغمت على الاعتذار من أهالي السويداء، ورغم إشادتها بـ "بطولاتهم"، فإنها انتقدت "أقلية تحاول استغلال العرض الخاص واغتيال الفيلم قبل عرضه جماهيريا".

زخرت الصفحات الدرزية بالرد على الفيلم المسيء لهم، وكان لافتا مشاركة زعيم دروز لبنان السياسي "وليد جنبلاط"، الذي نشر صورة "أنزور" مع الرئيس السوري في العرض الخاص للفيلم، مرفقة بتغريدة يستنكر فيها تجاهل النظام الأسدي للدروز في الثورة السورية بقيادة سلطان الأطرش والمئات من الضباط والجنود الدروز. كما انتقد مغردون كثر الفيلم، معتبرين أنه "خرافة وتزوير للتاريخ وفتنة بين طوائف الشعب".

أمام طوفان الغضب والانتقاد اضطرت "المؤسسة العامة للسينما" منتجة الفيلم، لتأجيل عرضه جماهيريا، حتى "يتسنى دمج الآراء والنقد السلبي والإيجابي والأخذ بكل ما جمعناها، ليخرج الفيلم بصيغته الجاهزة للعروض الجماهيرية"، وفق بيان المؤسسة و"أنزور" معا.

لكن "نجدت"، كان له رأي آخر في "السوشيال ميديا"، إذ كتب أنه أهدى الفيلم للرئيس "بشار الأسد" في عيد ميلاده "لقد حرصنا أن يكون افتتاح الفيلم السينمائي دم النخل في 11 سبتمبر، علنا نقدم هدية لسيد الوطن في عيد ميلاده.. هدية تليق بصبره وصموده الذي يضاهي صمود أعمدة تدمر عبر الزمن".

هل يجدر بنائب رئيس مجلس الشعب أن يستفز بعض طوائف الشعب لهذا الحد، ألم يكن أولى به أن يتابع مع المسؤولين سبل إنقاذ العملة، بعد تدني قيمة الليرة السورية لأدنى معدل في التاريخ، وباتت على أعتاب 700 ليرة للدولار الواحد.

كما تزامن مع هذا اللغط، أن ألقى رئيس الوزراء السوري "عماد خميس"، كلمة أمام مجلس الشعب، أكد خلالها أن "المصرف المركزي السوري صرف كل ما لديه من الاحتياطي النقدي خلال سنوات الحرب، وأن إنتاج النفط اليومي انخفض من 380 ألف برميل إلى صفر برميل، وتقلصت نسبة الأراضي المزروعة وباتت محدودة جدًا، والسياحة بات مدخولها صفرًا" وغير ذلك الكثير.
لنرى الآن ماذا سيفعل السياسي "أنزور" مع الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!

الجريدة الرسمية