رئيس التحرير
عصام كامل

إنجاز سوداني لبناني سعودي


لم تخل جوائز مهرجان البندقية السينمائي الدولي من المفاجآت، أبرزها أن إدارة المهرجان لم تلتفت إلى تنديد الكثيرين واعتراضاتهم على إدراج أحدث أفلام المخرج البولندي -الفرنسي "رومان بولانسكي" في المسابقة الرسمية، رغم إدانته في اغتصاب مراهقة سنة 1978، وملاحقته حتى الآن من القضاء الأمريكي.


والأغرب من مشاركة "بولانسكي" كان منحه جائزة "الأسد الفضي"، الثانية من حيث الأهمية والقيمة، لصالح فيلمه المثير للجدل "آن أوفيسر آند سباي" (جندي وجاسوس)، حول اضطهاد الجندي اليهودي الفرنسي "ألفريد دريفوس"، ومع تعرض المنظمين لانتقادات دافعوا عن اختيارهم فيلم "بولانسكي"، وقالوا إن التحكيم ينصب على الفيلم ورؤيته وليس الحياة الخاصة لمخرجه.

أكبر مفاجآت جوائز "البندقية" تمثلت في حصد المخرج السوداني الواعد "أمجد أبو العلا" جائزة مسابقة "العمل الأول"، عن فيلمه "ستموت في العشرين"، عن صبي يتنبأ له شيخ صوفي بأنه سيموت في العشرين من عمره وما يحدث له بعد تلك النبوءة.. المسابقة ترأس تحكيمها المخرج الصربي "أمير كوستاريتسا"، وضمت في عضويتها "هند صبري"، وأهدى "أبو العلا" جائزة فيلمه لشهداء وضحايا الثورة السودانية، إذ صادف بدء تصوير عمله اليوم الأول من الثورة.. وبالجائزة السودانية يكون العرب عرفوا طريق جوائز "البندقية" وإن لم يكن في المسابقة الرسمية الكبرى.

كما تمكن الممثل التونسي "سامي بو عجيلة" من اقتناص جائزة أفضل ممثل في مسابقة "آفاق" عن دوره في فيلم "بيك نعيش" للمخرج "مهدي برصاوي"، عن أب يكافح لإنقاذ حياة ابنه.

وفوز ثلاثي حققه الفيلم اللبناني "جدار الصوت" للمخرج "أحمد غصين" في فئة "أسبوع النقاد"، وهي الجائزة الكبرى، جائزة الجمهور وجائزة أفضل مساهمة فنية.

"جدار الصوت" عن شاب يعود إلى قريته في جنوب لبنان خلال حرب 2006، فلا يجد والده، ويصدمه دمار القرية ووجود جنود إسرائيليين في منزله. ركز "غصين" في فيلمه الروائي الأول، على تصدّع علاقة الأجيال "الابن ووالده" ودور المدنيين وبطولاتهم خلال الحرب، كما أبرز البعد الإنساني والاجتماعي في الفيلم وحرص على الابتعاد عن الطابع السياسي للأحداث.

"غصين" أبدى دهشته من حصد جائزتي النقاد والجمهور معًا، إذ نادرا ما يتوافق الطرفان في الرأي، وأهدى جوائز مهرجان البندقية إلى "كل فريق الفيلم، من ممثلين وتقنيين، لأنهم عملوا في ظروف تصوير صعبة".

في فئة "أسبوع النقاد" نفسها، نالت المخرجة السعودية "شهد أمين" جائزة "الفيلم الأكثر إبداعا"، عن عملها الروائي "سيدة البحر". الفيلم عن فتاة يافعة، تنشأ في قرية فقيرة تحكمها تقاليد عفا عليها الزمن، تتمثل في تقديم الإناث قرابين لمخلوقات البحر، فينقذها والدها ما يجعلها منبوذة.

ويتناول العمل الذي تم تصويره في سلطنة عمان، قضية تغيير دور المرأة في المجتمع، في إشارة إلى ما نالته المرأة السعودية من حقوق أخيرا، بعد قيود وحرمان سنوات طويلة.

اختارت "شهد" شخصية خيالية في الفيلم، وأرادت أن يكون عملها أنثويًا ليمثل الفلكلور العربي، ولا تستوحي شيئًا من الأفلام الأجنبية. كما فضلت عرض الفيلم بالأبيض والأسود لإبراز جفاف وقسوة القرية التي تضحي ببناتها، رغم رؤيتها إن الفيلم بالألوان كان رائعا للغاية، لكن الألوان لم تمنحها إحساس الجفاف.

اعترفت المخرجة "شهد" وهي أيضا كاتبة الفيلم "إنها قصتي وتجربتي... في مجتمع يفضل الرجال على النساء بوضوح.. أعتقد أنها قصة كل فتاة وليس في الشرق الأوسط فحسب". واعتبرت "شهد" التي درست الإخراج في لندن، والسيناريو في الولايات المتحدة، فوزها بالجائزة محفزا إضافيا لها، وفخرا للسينما السعودية. كما أن مشاركة زميلتها "هيفاء المنصور" بفيلم نسائي بحت في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، رسالة للعالم عن تمكين النساء في السعودية.

أربع دول عربية نالت جوائز في "البندقية" بأفلام إنسانية مغرقة في المحلية، لم تكلف أصحابها ميزانيات كبيرة كالتي تحتاجها الأفلام المصرية وهي تلهث في محاكاة وتقليد الأفلام الأجنبية، والآن باتت الكرة في ملعب وزارة الثقافة، إذ عليها اختيار شباب واعد طموح تدعمه لإنتاج أفلام واقعية حقيقية بسيطة تشارك بها في المهرجانات الكبرى، لعل وعسى نعوض ما فقدناه في السنوات الماضية.
الجريدة الرسمية