رئيس التحرير
عصام كامل

فريدة النقاش تروي رحلة الـ80 عاما (2).. لم أخن أمومتي.. وطبيب السجن رفض يعاجلني لأني «ست».. السادات مش خاين.. عبد الرحمن أبو زهرة مُنع من العمل بسبب «التجمع».. ويوسف شاهين صاحب الد

فريدة النقاش
فريدة النقاش

حديثنا في الحلقة الثانية والأخيرة مع القيادية اليسارية فريدة النقاش يبدأ قبل نكسة يونيو مباشرة، فتقول « قبل النكسة كنت مصدقة إننا هندخل تل أبيب وكنا واثقين في عبد الناصر مش في النظام ولا الجيش، لكن اللي حصل كان صدمة لينا، ولما سمعت البيانات الأجنبية في أول يوم كنت مرتبكة لأني كنت مصدقة البيانات الحكومية لكن كل حاجة ظهرت في 9 يونيو»


صدمة يونيو
أعلن جمال عبد الناصر تنحيه في 9 يونيو، كانت فريدة النقاش وقتها في جريدة الجمهورية : «الكل مصدوم وحصل ما يشبه العزا وفي كل الجرايد الناس اتفاجئت مفاجئة كبيرة بس اللي كانوا فرحانين ويحاولوا ميبينوش فرحهم الناس اللي ضد أفكار جمال عبد الناصر»

«أنا مشيت في مظاهرة مطالبة عبد الناصر بعدم التنحي وبنتي كان عندها سنة ونص وشيلتها على ضهري ومشيت في المظاهرة وكانت مظاهرات حقيقية، الاتحاد الاشتراكي ميعرفش يحرك قشاية، مصر كلها خرجت علشان تقوله متمشيش، والتفسيرات الساذجة اللي بتقول إن اللي خرجوا بيعبدوا الزعيم وميعرفوش يعيشوا من غير استعباد ده كلام فارغ، الناس عاوزة تحارب ولازم الهزيمة تترد وطلعت أغنية بتاعت عبد الحليم «اللي شبكنا يخلصنا» واتاخدت وقتها شعار لـ9 يونيو»

نتيجة 67
«كل حاجة سيئة في التاريخ ليها وجه مفيد النتيجة الحقيقية لـ67 رغم إنها مؤلمة لكن إيجابيتها في إعادة بناء الجيش وبدء حرب الاستنزاف، وخدوا القوات الرئيسية في الجيش بقوا ولاد متعلمين مش الأميين والفقرا زي ما كانوا بيقولوا الإسرائيلين أن عبد الناصر حشد جلاليب الفلاحين وحطهم في سيناء، وكانوا أفضل 3 سنين في عصر جمال، 67 خلصت على ناصر لكن الناس ادولوا نفس جديد»

رغم التمسك بجمال عبد الناصر، لكن ذلك لم يمنعه من طرد زوجها، القصة بدأت حين نظّم حسين عبد الرازق محاضرة عن الهزيمة باعتباره مدرسًا في المعهد الاشتراكي، حكى كثيرًا عن مشكلات النكسة وما يجب على المجتمع في الوقت الحالي، لكنه أيضًا قال «مش هما اللي جابولنا اليهود قعدوا على شط القنال».

«الجملة ديه وصلت لعبد الناصر، وجمال كان شخصي جدًا، الحاجة اللي تمس شخصه ميعدهاش وتخليه شرس، زي الشيخ إمام في قصيدة الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا لما قال في آخرها «عبد الجبار»، وقتها جمال قال لشعراوي جمعة، مين عبد الجبار يا شعراوي؟ الراجل ده قاعد في مصر لسه، وكانت إشارة واضحة لاعتقاله ومن المثير للضحك أن محضر ضبط الشيخ إمام كان يحتوي على مطاردة والرجل كفيف أصلًا، بل وكتبوا إنه يحمل شنطة حشيش وحين سمع الشيخ إمام وكان حشاش قال هو فين إحنا لاقيينه، وإثر تلك الجملة طُرد حسين من الجمهورية»

«بعد الطرد عرض علينا العمل صديق جزائري، وقعدنا هناك 20 شهر بالظبط، وأنا راجعة على مركب تركية سمعت خبر وفاة جمال عبد الناصر، عيط كتير جدا وبقى الناس مستغربين علشان بعيط على رئيس مكنوش فاهمين معنى إن في رئيس يبلور الأماني الحقيقية لشعب كامل باللي ليه وباللي عليه بكل جوانبه مفيش ملايكة على الأرض كان يوم محزن جدا ووصلت البلد لقيتها حداد كامل»

السادات رئيسًا
إحساس عدم الثقة كان هو الشعور الأول لفريدة النقاش ناحية السادات، لم تشعر أن له موقفا رغم أن جمال عبد الناصر كان يرسله لمهمات سياسية كبيرة، ورغم أنها وصفته بالمناضل في أثناء حرب 1973، لكنها ندمت على هذا الوصف.

«أيوه ندمت، هو مش مناضل، لكنه برضه مش خاين أو عميل زي ما بعض الناس بيقولوا عليه، لو خاين مكنش حافظ على أسرار الحرب، السادات كان رجعي وده كل الموضوع وفي سنة 1974 بدأت معارضتي له بسبب سياسة الانفتاح »

في عام 1976 دعا خالد محيي الدين إلى تأسيس حزب التجمع فكانت هي وزوجها من ضمن «العشرة المبشرين بالجنة» كما أسماهم «محيي الدين»، وفي أروقة الحزب والصحيفة التي حملت اسم الأهالي وانتقلت إليها فريدة النقاش، بدأ الصدام من اللحظة الأولى ولكن كيف لمن باتت أم ولديها أسرة.

كان الموعد 1977 حين وقعت انتفاضة الخبز التي أطلق عليها السادات «انتفاضة الحرامية» وذلك حين خرج الآلاف للشوارع اعتراضًا على تحريك أسعار بعض السلع الإستراتيجية.

«كان لينا 400 زميل في السجن بسبب انتفاضة الحرامية والسادات قال إن احنا المحرضين والمخربين مع إن كل أدبيات اليسار ضد التخريب، وفي جريدة الأهالي كان في هجوم علينا وكانت الجريدة بتتصادر أسبوع وأسبوع تقريبًا لحد ما اتقفلت، وكنا كلنا بنكتب بأسماء مستعارة لإن إحنا بناخد مرتباتنا من الجرائد الموقوفين فيها فأنا باخد مرتبي من الأخبار لكن مليش شغل ولا ليا حق أكتب، وأنا اتنقلت من الجمهورية للأخبار لما مصطفى أمين خرج من السجن علشان ميبقاش لينا أي صوت، هو يميني وضد الاشتراكية ومسمحليش إني أكتب اصلًا»

التجمع
لم يكن السياسيون فقط هم من يدفعون ضريبة المعارضة، تحكي فريدة النقاش عن لجنة الفنانين في الحزب والتي ضمت أشهر الأسماء وقتها، أما البداية مع يوسف شاهين، مهندس حملة الدعاية لجريدة الأهالي «كان قاعد بيفكر ازاي نعملها دعاية في وسط الجو الملغم ويقول أفكار جديدة، هو وصلاح أبو سيف»

لكن المشكلة الحقيقية التي نسفت لجنة الفنانين بدأت حين نشر الكاتب الراحل موسى صبرى كشف بأسماء لجنة الكتاب والفنانين لتبدأ بعدها رحلة البطش.

« عبد الرحمن أبو زهرة اتعاقب سنتين وقعد في بيته بالأمر، علشان انتخب عضو في الأمانة العامة للحزب وخالد محيي الدين قاله امشي انت فنان وعاوزينك فنان، السياسين كتير، أما سهير المرشدي فقد تعرضت للجلوس فترة في البيت ايضًا بسبب انتمائها للحزب، والناس خافت بعد ده، مش كل الناس يقدر يتحملوا، لكنها كانت تجربة رائعة»

في عام 1979 وبعد توقيع اتفاقية السلام، كان الاتهام الموجه لفريدة النقاش معاداة دولة صديقة «عيط لما قريت التهمة، هي حصلت يتقال على كيان صهيوني دولة صديقة وفي بلد مفروض إنها قلب العروبة» لكن تلك المرة من الاعتقال لم تستمر سوى شهرين، وتكررت في عام 1981، ولم تكن فريدة النقاش ضمن اعتقالات سبتمبر، فقد سبقتهم في أول الدفعات التي بدأت في مارس من نفس العام، ومعها صافيناز كاظم ونوال السعداوي.

«لمدة عام شوفت المضايقات على كل لون، لدرجة أن الطبيب اللي بيعالج الكلى في السجن كان رافض يعالجني وبيقول هي ليه تشتغل بالسياسة وعندها عيال، أنا لم أخون أمومتي، ومحدش بيختار يدخل السجن، التجربة كانت قاسية عليا وعلى أولادي، وكان معايا لطيفة الزيات ونوال السعداوي وأمينة رشيد وشاهندة وصافيناز كاظم وعواطف عبد الرحمن»

اغتيال رئيس
في السادس من أكتوبر 1981، اغتيل الرئيس السادات، في داخل السجن تم معرفة الخبر« كان لينا لوبي في السجن وكان معانا راديو محدش عرف مكانه من المباحث، وأول ما سمعنا الخبر ناس مننا زغردوا وطلبنا منهم محدش يشمت في الموت»

«أول ما سمعت الخبر صافيناز كاظم لقيتها بتقولي إحنا لو كنا في العراق كان صدام حسين أول حاجة هيعملها أنه هيطلع يقتلنا كلنا علشان ده سفاح قلناله احنا معندناش صدام احنا هيحكمنا مبارك والحمد لله اننا مش في العراق»

شرب من نفس البئر الذي حفره، هكذا لخصت فريدة النقاش ما حدث للسادات، معترفة إنه لم يتوقع اغتياله في أي وقت، كان الأمر مفاجئًا بالطبع.

الأمر مع مبارك كان أسهل، من البداية كانت البوصلة أمريكية وبالتالي لم نثق فيه حتى مع تحليلات من نوعية «أدوله فرصة» وكان لقائي به من خلال مكالمة هاتفية بعد خروجي من المعتقل وقال لي حمد الله على السلامة، البلد هتبتدي تتحسن وفيها أمل

«كان عاوز يبني علاقة مع المثقفين هو أتغير في 2005 ولبس قميص نص كوم وبقى يلف في القرى ويعمل الحاجات التمثيلية بأنه يدخل لناس كأنه بيطب عليها، وفي السنة دي عملنا مظاهرة شارك فيها الآلاف، الناس كانت متوقعة نهاية مبارك زي نهاية السادات، هو قد يضغط على البلد لحد ما البلد انفجرت»

كان الحظ فقط هو من جمع محمد مرسي بفريدة النقاش في تسعينيات القرن الماضي حين تم تدشين لجنة تنسيق بين الأحزاب وكان ممثل الإخوان في تلك اللجنة التي كان لابد من أخذ قرارتها بالإجماع «كنا نقعد نتناقش بالساعات الطويلة وهو قاعد لا بيتكلم ولا بيناقش وبعدين نقوله إيه رأيك كان يقول أروح اسأل الأخوة وميرجعش وكان كل شيء يتعطل، فأنا كنت عارفاه من أول ما جه رئيس»

في الرحلة الكثير من الأسماء، بدأنا بطرح اسم أنيس منصور «إنسان رجعي وضد الحرية والاشتراكية، وكتابه في صالون العقاد كله مختلق وحواديت لم تحدث، واتفق معايا في الرأي الدكتور طاهر مكي رئيس تحرير مجلة الأدب والنقد السابق»

هيكل
محمد حسنين هيكل، وتقول عنه « ظاهرة إشكالية ومثقف كبير واستطاع أن يستخدم ثقافته للصعود الاجتماعي والسياسي وفي تكوين وضع خاص بيه، وكان ليه موقف خاص مع حسين زوجي، فبعد الهزيمة كتب هيكل مقال دعا فيه إلى تحييد أمريكا فرد عليه حسين أن تحييد أمريكا مش هيحصل والأفضل نشوف إيه القوة العربية اللي ممكن تتجمع علشان نحرر أراضينا فحسين اترفد وكان مفهوم أن هيكل وراء قرار، وبعدين بيومين هيكل راح قال للطفي الخولي إن حسين جالي واعتذرلي، وده محصلش، وده يبينك قد إيه هو شخص نرجسي مستغرق في ذاته»

صلاح عيسى
صلاح عيسى، تلعثمت قليلًا أمام الاسم «صديق عزيز وكاتب موهوب وعنده نوع من السخرية العميقة اللي متكررتش كتير في الأدب العربي، وهو اتظلم وكان عنده مرارة تجاه الدولة واتحبس زورا لمدد طويلة، على المستوى الشخصي شخص يصادق ويتحب وثقافته دايما تحس إنها منبع لأفكار جديدة»

حاولنا أن تتحدث عن رفيق الدرب لكنها أكدت أنها لا تستطيع وصفه، هو أهم إنسان في حياته وتعترف «لو مكنتش عرفته كنت هبقى شخص تاني»
الجريدة الرسمية