رئيس التحرير
عصام كامل

"جيوري" وطعم الشهرة


قبل عامين، قالت لي "جيوري" ابنتي (أقل من 8 سنوات وقتها): «أنا عاوزة أكون مشهورة».

هكذا قالتها صريحة بينما كنت لاحظت أنا رغبتها هذه وهي لم تتجاوز الخامسة بعد، فهي تهوى التقاط الصور لنفسها، وتطلب مني من وقت لآخر أن أحكي عنها وأكتب منشورات على «فيس بوك» لهذا الغرض، كما أنها طلبت مني أن أكتب رواية عنها هي، «وتنشر صورتي عليها علشان الناس لما تشوفني تعرفني».


الأمر لا يتعلق بابنتي وحدها، فمعظمنا يهوى الشهرة، وأظن أننا نولد ومعنا تولد الرغبة في الشهرة، حتى ولو كنا لا نملك مقوماتها، فهي شهوة أو ربما لعنة تطارد الجميع..

ببساطة، الشهرة تعني أن الشخص يصبح معروفا لدى قطاع كبير من الناس لسبب ما، والأسباب كثيرة..

هكذا كان الحال في مصر قبل نحو عقدين من الزمان، إذ شهدت الألفية الجديدة ذلك المنحى الأخطر، وهو الخلط ما بين الشهرة والفضيحة، إلى أن استقر في الوجدان الجمعي أنه لا فرق بينهما..

صحيح أن كل من الشهرة والفضيحة يكون فيها الشخص معروفا لدى الناس، لكن إلى ما قبل الألفية الثالثة كانت الشهرة تنبع من إنجاز أو تفوق وبطولة بينما الفضيحة تنبع من ارتكاب الشخص لأمر أو جرم يستدعي تحقير المجتمع له..

فالمشاهير في مصر قبل عقدين تقريبا كانوا مفكرين وفنانين ورياضيين ومثقفين وسياسيين وشخصيات اجتماعية صاحبة تاريخ وإنجاز يشار له بكل فخر وإعجاب، والقائمة هنا تطول وتضم آلاف الأسماء من الشخصيات البارزة المعروفة لدى السواد الأعظم من الشعب، ومنهم من تعدت شهرته حدود البلاد، فذاع صيته إقليميا وعالميا..

وفي تاريخ هذا الوطن منذ عصور الفراعنة إلى بداية الألفية الثالثة، الكثير من أسماء «المفضوحين» الذين عرفهم الناس وحقروهم ولعنوهم، وقطعًا تمتلئ هذه القائمة بالمجرمين والسفاحين والخونة، مما إلى ذلك من صفات تجلب على صاحبها العار..

ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير بأن الناس كانوا يحترمون المشاهير، ويعيرون المفضوحين.. فيجرون نحو الأول ويتمسحون فيه، بينما يجرون من الثاني ويتبرأون منه.. باختصار كان الناس يفرون من المفضوح فرارهم من «المعزة الجربانة».

كما أن الشهرة كانت غالبا تجلب لصحابها المكسب (مادي أو معنوي) بينما الفضيحة تعود على صاحبها بالخسارة.

لكن..

وانتبه لـ"لكن" هذه..

ففي اللفية الجديدة حدث تغير مجتمعي كبير، يمثل المنحنى الذي أشرنا إليه في السطور الأولى، وأقصد بذلك مسألة الخلط ما بين الشهرة والفضيحة، إذ لم يعد هناك فارق بينهما، فالمفضوح كما المشهور في بلدنا، كلاهما يشار إليه بالبنان ويسرع إليه الناس من أجل التقاط الصور، والتباهي بمعرفته.

كما أن المفضوح يمكنه الآن أن يحقق المكاسب المادية، معتمدا على شهرته بين الناس، والفضل يعود لـ«فضيحته»، التي لم تعد سبة في بلادنا.. وليس هناك مثال أبرز من «التباع» صاحب المكالمة الجنسية الشهيرة «أحبيبة ألبي يا هبة»، إذ بات فيما بعد نجما في الإعلانات والبرامج التليفزيونية!

والآن أصبحت للشهرة بعدا ثالثا لا يتعلق بالإنجاز والتفوق أو الفضيحة، فالحماقة والتفاهة أيضا باتت من مقومات الشهرة، وليس عليك الآن إلا أن تجيد تحريك شفتيك مثلا مع أغنية مشهورة (التيك توك) أو أن تصر على سماجتك (الخليل الكوميدي نموذجا) حتى يعتادها الناس.. أو أن تصبح (أحمد وزينب)..

لا يهم أن تقدم محتوى ينفع الناس أو حتى يبهرهم، المهم أن تمتلك الثقة (حتى وإن كنت حمارا) وتصر على هدفك (حتى وإن كنت سمج).. فالتجارب السابقة أكدت أن معدة السوق في بلدنا لا تلفظ أي «قرف» يقدم لها..

وأخيرًا يا ابنتي، إذا قرأت هذه السطور بعد موتي فاعلمي أن نجاحك في أن تكوني «إنسانًا» أبقى من الشهرة وأصدق.
الجريدة الرسمية