رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا بعدَ الحجِّ؟


أما وقد انتهى موسمُ الحجِّ، فماذا يجبُ على من أنعمَ اللهُ عليهم بأداء الركن الخامس من الإسلام أن يفعلوا بعد العودة، هل يستأنفون حياتهم دونَ أدنى تغيير يُذكرُ، أم يبدءون مرحلة جديدة عنوانها: "عبادة الله وطاعته والخضوعُ له والاستقامة والحذرُ من اقترافِ الصغائر قبلَ الكبائر"؟


هذا السؤالُ، بتنويعاتٍ مختلفةٍ، أجابَ عنه علماءُ الدين، واتفقوا وأجمعوا، على غير عادتهم، على أنَّ الحجَّ ميلادٌ جديدٌ، وأنَّ أولَ ما ينبغي أن يفتتحَ الحاجُّ به هذا الميلادَ، هو توبةُ العبدِ لربِّه، وعزمُه على إصلاحِ شأنِه كلِّه، انطلاقًا من قوله تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

مشددين على أن "من الخطأ الكبير أنْ يظنَّ الإنسانُ أن مواسم الطاعات فرصة للتخفُّف من الذنوبِ والسيئاتِ، ثم إذا ذهبتْ هذه المواسمُ وقعَ بعدها في المخالفات، وتنتهي فترةُ إقباله على الله تعالى بانتهاء تلك المواسم والأيام الفاضلات، والحالُ أنّه يجبُ على المسلم أنْ يجعلَ مواسمَ الخير محطّة تحوُّل كامل لواقعه وحياته من حياة الغفلة والإعراض عن الله، إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله".

ويُحذِّرُ علماءُ الدين العائدين من فريضة الحج من "الانتكاس بعد الحجِّ، والاستسلام لغوايةِ الشيطان، والعودة إلى ما كانوا عليه من إقبالٍ على الدنيا، وإدبارٍ عن الآخرة، واقترافٍ للذنوب والمعاصى". مؤكدين أنَّ منْ يفعلُ ذلك فإنه يكونُ قد خسِرَ الاستفادة من أداء الفريضة؛ فالحجُّ ليس مُجردَ طقوس وشعائرَ جوفاء، بل رحلة إيمانية وروحانية، يجب أن تتبعها مرحلة جديدة من الإيمان وحُسن الطاعة والمواظبة على العبادة.

ويرى العلماءُ أن "للحج المبرور أمارة، ولقبوله منارة"؛ فقد سُئلَ الحسنُ البصريُّ، رحمه الله تعالى: ما الحجُّ المبرورُ؟ فقال: "أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة"، ومن ثمَّ، ينبغي أن يكون أداء الفريضة، "باعثًاَ للحاجِّ إلى المزيد من الخيرات وفعل الصالحات، وحاجزًا عن مواقع الهلكات، ومانعًا من الوقوع في الآفات والمخالفات".

كما أكدوا أن "مَن لبَّى في الحجِّ للرّحمن، عليه أن يُلبِّي له بالطّاعة في كل مكان وزمان؛ فإنّ معنى التّلبية: إجابة لك بعد إجابة، وطاعة لكَ بعد طاعة، ومن امتنع عن محظورات الإحرام أثناء حجّ بيت الله الحرام، فليعلمْ بأنَّ هناك محظوراتٍ على الدوام، وطولَ الدهر والعام؛ فليحذرْ إتيانها وقربانها؛ التزامًا بقوله تعالى: "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا".

ويعظ العلماءُ الحجيجَ بعد عودتهم إلى ديارِهم بـ"التزام التقوى والاستقامةِ بعد الحج، والحذرِ من العودة إلى الأفعال القبيحة، والخلال المشينة، والالتزام بالأعمال الطيّبة، والخلال الكريمة؛ فما أحسنَ الحسنة تتبعُها الحسنة، وما أقبحَ الحسنة تتبعُها السيّئة؛ تأسيًا بقوله تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا".
الجريدة الرسمية
عاجل