رئيس التحرير
عصام كامل

"جورجيا" سبب عدم استقرار لمنطقة القوقاز


منطقة القوقاز، من المناطق غير المستقرة في عالمنا المعاصر، وهذه المنطقة تضم كلا من جورجيا، أرمينيا، وأذربيجان، أما القوقاز الروسي فيتألف من كراسنودار كراي، وستافروبول كراي، وأديغيا، قراتشاي - تشيركيسيا، وقبردينو - بلقاريا، والشيشان، وإنغوشيا، وأوسيتيا الشمالية وداغستان.


وإذا نظرنا لتكوين هذه المنطقة، سنجد فيها العديد من القضايا الشائكة، والتي تأتي على رأسها قضية إقليم "قرة باغ" المتنازع عليه من قبل أذربيجان وأرمينيا، وسنجد القضية الأبخازية وأوسيتيا الجنوبية، والتي ظهرت بسبب عدوان القوات الجورجية على هاتين المنطقتين في عام 2008، مما استتبع تدخل القوات الروسية، فيما عرف بعد ذلك بالحرب الجورجية 2008.

أيضا نرى الصراع التاريخي بين أرمينيا وتركيا، وبين أذربيجان وإيران. إذن بالرغم من عدم كبر هذه المنطقة إلا أن بها العديد من النزاعات، وهذه النزاعات تستخدمها الولايات المتحدة من خلال وكيلها في المنطقة- جورجيا، لضمان عدم استقرار هذه المنطقة.

فجورجيا منذ عام 2003 (ثورة الزهور) وهي تمثل عامل عدم استقرار في هذه المنطقة، فسلسلة الثورات الملونة التي بدأت في منطقة الاتحاد السوفيتي السابق، والتي كانت تستهدف النفوذ الروسي فيها، بدأت من "تبليسي"، عندما تم تنحية الرئيس الجورجي آنذاك "إدوارد شيفردنادزه" الذي كان يمتلك علاقات طيبة مع موسكو، وآتى للحكم "ميخائيل ساكشفيلي" بعد ذلك، وبسبب رعونة هذا الرئيس وقعت حرب الأيام الخمسة والتي كادت أن تفقد فيها جورجيا كامل قواتها المسلحة، بعد أن اعتدت على قوات روسيا لحفظ السلام في 2008.

من بعد عام 2013 تم استئناف العلاقات بين موسكو وتبليسي، وتم رفع كل العقوبات الاقتصادية الروسية على جورجيا بالإضافة إلى عودة حركة الطيران بين البلدين، فالسياح الروس يمثلون نسبة كبيرة جدا من عدد السياح الإجمالي الذي يزور جورجيا. إلا أن في الثلث الأخير من شهر يونيو الماضي، تم الاعتداء على وفد البرلمان الروسي الذي كان يشارك باجتماعات داخل البرلمان الجورجي، الأمر الذي دفع موسكو لوقف حركة الطيران مرة أخرى.

فهناك أطياف من القوميين الجورجيين الذين لا يريدون أن تكون هناك علاقات جيدة مع روسيا، في حين يملكون علاقات جيدة جدا مع الولايات المتحدة.

لذلك نجد تعاون أمريكي-جورجي من أجل قطع الطريق على النفوذ الاقتصادي الصيني والنفوذ العسكري-السياسي الروسي في هذه المنطقة. فتشارك الولايات المتحدة في تطوير ميناء "أناكليا" الجورجي الذي يقع على البحر الأسود ليكون المنفذ الوحيد لدول آسيا الوسطى على هذا البحر.

فتشترك شركتي "كونتي جروب" (نيو جيرسي) و"إس إس إيه مارين" (سياتل)، في بناء الميناء، وستدار أناكليا بواسطة مشغل الموانئ الأمريكي الكبير "إس إس إيه مارين" (سياتل). ميناء “أناكليا” سيكون أول ميناء حاويات للمياه العميقة في منطقة شرق البسفور، وسوف يستوعب بضائع بقيمة كبيرة. ستصل طاقته الإجمالية إلى 100 مليون طن.

فترى الولايات المتحدة في تطوير هذا الميناء إحياء لمشروع ممر آسيا-القوقاز-أوروبا أو "تراسيكا". وتم إنشاء برنامج TRACECA في عام 1993 على أساس إعلان بروكسل بمشاركة أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.

وهذا الممر كان مصمم لكي لا تمر البضائع من خلال أراضي الاتحاد الروسي. خصوصا وبعد أن ظهر مشروع طريق الحرير الصيني. وبالطبع فإن إحياء هذا المشروع سيكون محاولة أمريكية أخرى لتقويض مساعي روسيا في تقوية "الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي" من خلال عرقلة ضم أذربيجان لهذا الاتحاد.

ولذلك نجد هناك تصريحات بقبول حلف الناتو فكرة انضمام جورجيا له، وذلك على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "جينس ستولتنبرج"، أثناء زيارته إلى تبليسي، في مارس الماضي حيث قال "أن جورجيا حققت نجاحًا كبيرًا في طريق التكامل الأوروأطلسي، وستصبح عضوًا في الحلف".

فالحديث عن انضمام جورجيا إلى الناتو سيغير حتما ميزان القوى في منطقة القوقاز وسيؤثر سلبا بشكل واضح على أمن كل من أذربيجان وأرمينيا. فلا يوجد إجماع في المجتمع الجورجي على الحاجة للانضمام إلى حلف الناتو، حيث ستجلب هذه العضوية الكثير من المتاعب للشعب الجورجي.

الولايات المتحدة، بالفعل هي التي تمارس ضغوطًا على شركائها الأوروبيين بشأن مسألة انضمام جورجيا إلى الناتو، وذلك من أجل الاقتراب من منطقة القوقاز الروسية ومن أجل فرضية استخدام أراضيها في عملية عسكرية ضد إيران ؛ وإذا ما حدث ذلك، فإن رد طهران سيكون صارما بشكل مؤكد في أراضي جورجيا.
الجريدة الرسمية