رئيس التحرير
عصام كامل

الصدِّيق.. بطل ثورة يوليو الحقيقي


قال عنه اللواء محمد نجيب: "أنا صفر على الشمال بالنسبة له؛ لأنه هو الذي دخل القشلاق وقيادة الجيش وعمل كل اللي قلته له، وعمل نفسه قائدًا للدفاع عنهم، وكل اللي ييجي من بره بالإمدادات يشخط فيه ويوزعه"، وقال أيضًا: إنه "راجل مقاتل.. مجلس الثورة كان يخشاه لأنه رجل شجاع وجدع".


أما جمال عبدالناصر فقال عنه: "باعتبر يوسف صديق أحد أهم أبطال ثورة 23 يوليو.. ماحدش ينسى أبدًا اللي عمله يوسف، وأنا بقولكم ماتنسوش يوسف حتى لو كان مختلف معانا.. يوسف هو الثورة، ولولاه كان زمان كلنا اتعلقنا على المشنقة".

وكتب محمد حسنين هيكل، في وصفه: "العملاق الأسمر ذو العينين الحمراوين عملاق طويل عريض، لفحته الشمس في معسكرات الجيش، فجعلته أشبه ما يكون بتمثال من البرونز لفارس محارب مدرع من القرون الوسطى، دبت فيه الحياة بمعجزة".

عُرف في وسط الضباط بمواقفه الوطنية وشجاعته، وكثيرًا ما عبر عنها في أشعاره التي كان يلقيها على زملائه الضباط، مما جر عليه سخط السلطات، بقدر ما أكسبه حب وثقة العناصر الوطنية من ضباط الجيش، وتمثل ذلك في تعمد قيادة الجيش تخطيه في الترقيات لسنوات، رغم اعترافها بدوره البطولي في حرب فلسطين، كما تمثل في ملاحقته بالتنقلات المتتالية، والعمل على تشتيته بصفة مستمرة، بل ثبت بعد ذلك من اعترافات أفراد الحرس الحديدى التابع للملك فاروق أنه كان مستهدفًا للاغتيال في الأيام السابقة على قيام ثورة يوليو.

ولد "يوسف صديق"، في ٣ يناير ١٩١٠، بقرية زاوية المصلوب ببني سويف، وفى ١٩٣٣ تخرج في الكلية الحربية، وفى ١٩٤٥ حصل على شهادة أركان حرب، وفى ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ كان صاحب الضربة التي أنقذت الثورة، حيث ألقى القبض على قيادات الجيش، والتي كانت على وشك اعتقال الضباط الأحرار.

كانت بداية معرفة ‏‏‏"صديق‏" بتنظيم‏ الضباط الأحرار، ‏عندما‏ ‏تعرف‏ ‏على ‏النقيب ‏"وحيد‏ جودة‏ ‏رمضان‏"، ‏خلال حرب فلسطين 1948، وبعدها‏ ‏بثلاث‏ ‏سنوات‏ في أكتوبر 1951‏، عرض‏ ‏عليه‏ ‏‏"رمضان"،‏ ‏الانضمام‏ ‏للتنظيم‏‏، وأطلعه على برامجهم، التي كانت تدعو للتخلص من الفساد، وإرساء حياة ديمقراطية سليمة، فوافق دون تردد، وأصبح قائد ثاني للكتيبة الأولى مدافع ماكينة "الكتيبة 13".

كانت وحدته العسكرية، وهى الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، تعسكر في منطقة العريش، ثم صدرت له الأوامر بالانتقال إلى القاهرة، استعدادا لترحيلها إلى السودان، وصدر الأمر لـ "صديق" بأن ينتقل بمقدمة تلك الكتيبة للقاهرة كقوة عسكرية إدارية، واستلام وتجهيز المكان المخصص للكتيبة؛ تمهيدًا لانتقالها إليه بعد ذلك، وكان وصول "يوسف" بمقدمة الكتيبة إلى القاهرة في 13 يوليو 1952.

ولدى وصوله للقاهرة، اتصل به "عبدالناصر" و"عامر" وأخطراه بأنه تم تحديد يوم 26 يوليو موعدًا لقيام الثورة، ثم عادا وأبلغاه بتقديم الموعد إلى ليلة 23 يوليو، ‏وأعطيت‏ ‏الخطة‏ اسمًا‏ ‏كوديًّا "نصر"، وتحددت‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏في‏ الثانية عشرة مساءً، إلا أن "عبدالناصر" عاد وعدَّل هذا الموعد إلى ‏الواحدة صباحًا، وأبلغ ضباط الحركة، باستثناء "صديق"؛ لأن معسكره في "الهايكستب"؛ بعيد عن مدى تحركه، فآثر انتظاره بالطريق العام؛ ليقوم برده إلى الثكنات، وكان لهذا الخطأ البسيط أعظم ‏الأثر في نجاح الثورة.

ليلة الثالث والعشرين من يوليو 1952، خرج البكباشي "يوسف الصديق"، ويداه خلف ظهره يبعثر النظرات يمينًا ويسارًا، بينما ينظر في الساعة بين برهة وأخرى، تجتمع كتيبة مدافع الماكينة، ويتأكد من وجود 60 جنديًّا، كلمات زوجته، ورفيقة كفاحه، ترن في أذنيه: "إيه يا يوسف أنتَ رايح تفتح عكا؟!"، ينظر في الساعة، ويؤدي التحية لأبنائه العسكريين، قائلًا لهم: "إننا مقدمون هذه الليلة على عمل من أجلِّ الأعمال في التاريخ المصري.. وسنظل نفتخر بما قدمناه اليوم".

هذا‏ ‏الدور‏ ‏أكده‏ "عبدالناصر‏" في العيد العاشر للثورة، حينما تحدث في خطابه بهذه المناسبة عن دور "يوسف" في الثورة، وقصة اعتقاله هو و"عامر"، بواسطة كتيبة "يوسف"، وسعادته لرؤية "صديق" الذي فك أسره على الفور، كما أكد دوره الريادي في تنفيذ الثورة كل ‏من‏ "محمد نجيب" و"عبداللطيف البغدادي" و"جمال حماد" ‏و"حمدي ‏لطفي‏" ‏في‏ ‏مذكراتهم،‏ ‏التي‏ ‏جاءت‏ ‏مطابقة‏ ‏لمذكرات‏ ‏"يوسف‏ ‏صديق".

بعد قيام الثورة تقرر ضمه إلى مجلس قيادة الثورة الذي تشكل بعد نجاحها، تقديرًا لدوره الأساسى في نجاح الثورة، ولم يكن قبل ذلك عضوًا في اللجنة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار، كما لم يكن يعرف تشكيل هذه اللجنة، ولم يعرف من أعضائها غير "جمال عبد الناصر" و"عبد الحكيم عامر" و"أنور السادات" و"حسين الشافعى"، ولم يكن يعنيه معرفة أسماء هؤلاء الأعضاء.

"يوسف صديق" أحد أهم أبطال ثورة 23 يوليو 1952، وفي مقدمة 13 ضابطًا وضعوا أكفانهم على أيديهم لتحرير مصر من وطأة الاستعمار والفساد والإقطاع.

وقد عمل طويلًا في صفوف اليسار المصري، وبالتحديد بتنظيم "حدتو"، بمعزل عن عمله العسكري، وجزء من طبيعة "يوسف صديق" الثورية جسدها في قوله: "كُنت أعتقد دائمًا أن الجيش هو الملاذ الوحيد الذي يستطيع حل المشكلة، حتى إننى فكرت ذات يوم أن أقوم وحدي بالثورة، وأنا واثق من أن الكثيرين من الضباط سيقفون في صفي، لكن حالة العربات التي كانت تحت يدي لم تكُن صالحة لنقل قوتي إلى القاهرة".

خاض حرب فلسطين في عام 1948 وتمكن منفردا مع كتيبته، من الوصول إلى مشارف تل أبيب عاصمة إسرائيل فيما بعد، واحتفظ بالموقع حتى نهاية الحرب وتسليم الأماكن للجيش الإسرائيلي.

عقب نجاح حركة الضباط الأحرار دعا "يوسف صديق" مجلس قيادة الثورة إلى عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة... قرر بعدها الاستقالة من مجلس الثورة والجيش.

سافر إلى سويسرا في مارس 1953 بحجة العلاج، ثم عاد إلى لبنان في يونيو سنة 1953، وعندما طلب العودة إلى الوطن ورفض المجلس عودته، عاد سرًّا ومعه زوجته إلى مصر، وتوجه من المطار إلى قريته (زاوية المصلوب) في أغسطس سنة 1953، وأرسل برقية من هناك إلى اللواء نجيب يخطره فيها بعودته، ويجدد استقالته من مجلس قيادة الثورة ومن الجيش، وكان الرد تحديد إقامته في قريته، ثم سُمِح له بعد ذلك بالانتقال إلى منزله بحلمية الزيتون في أوائل العام الدراسى، حيث استمر تحديد إقامته تحت حراسة البوليس الحربى في ذلك المنزل.

وعندما وقعت أزمة فبراير ومارس عام 1954، طالب يوسف صديق في مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قِبَل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين، وعلى إثر ذلك اعتقل هو وزوجته، وأودع السجن الحربي في أبريل، وسجنت زوجته "علية" عام 1954، ثم أُفرج عنه في مايو 1955، وتقرر تحديد إقامته في منزله بحلمية الزيتون إلى أن أفرج عن زوجته "علية توفيق" فذهب ليعيش معها وأولادها حسين ونعمت في عزبة النخل، مع استمرار تحديد إقامته، إلى أن وقع العدوان الثلاثي سنة 1956

قاد "يوسف صديق" المقاومة الشعبية في عزبة النخل، ورفعت بعد ذلك الحراسة عنه، لكن لم يسمح له بالعمل في أي مجال من المجالات المدنية أو الأدبية، حيث رفضت جميع الطلبات التي تقدم بها للعمل سواء مديرًا لدار الكتب المصرية، أو أن يرشح نفسه في مجلس الأمة عن محافظة بني سويف، ولم يدع مرة واحدة لحضور احتفالات ثورة يوليو.

في صيف 1970 أمر الرئيس عبدالناصر بسفر يوسف صديق للعلاج في الاتحاد السوفياتي، وكان يعاني من مرض السكر وارتفاع الضغط ولغط في القلب.

وأثناء فترة العلاج وفي يوم 28 سبتمبر سنة 1970 توفي الرئيس "جمال عبدالناصر" وتولى الرئيس أنور السادات الحكم في البلاد، فأرسل يوسف من موسكو برقية عزاء للرئيس السادات وفي نفس الوقت تأييدًا له في الرئاسة كما كتب قصيدة رثاء في جمال عبدالناصر بعنوان «دمعة على البطل» نشرت في ذكرى الأربعين للرئيس جمال عبدالناصر.

وابتداء من هذا الوقت أخذ المرض الذي عانى منه طيلة حياته يعاوده، وظل يقاوم المرض والألم خمس سنوات، وأجريت له عملية استئصال للرئة اليسرى في لندن لإصابته بسرطان الرئة، حتى سقط يوم 31 مارس سنة 1975 بعد نقله من منزله بالمهندسين إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، حيث كان في غيبوبة...

وفي 1 /4 /1975 شيعت جنازة البطل يوسف صديق عسكريًا..

وفي مساء الثالث والعشرين من يوليو 2018، وروح "صدِّيق" ترفرف في جنات عدن، تسلمت أسرته قلادة النيل من الرئيس عبد الفتاح السيسي، تكريمًا لذكراه العطرة، ودوره في إنجاح ثورة يوليو، وإنقاذ رءوس قادتها من التعليق على أعواد المشانق.
الجريدة الرسمية