إنه بن لادن.. تعليمات الشيخ
نستكمل في تلك الحلقة الاقتراب من شخصية "أسامة بن لادن"، لكن ليس بصفته قائدا لتنظيم القاعدة، ولكن بوصفه والدًا لأولاده، وبجانب التعليمات التي أشرنا إليها في الحلقة السابقة، فإن أفكار "أسامة بن لادن" لم تتخل عنه وهو والد، ولعل هذا فرصة لنعرف كيف كان هذا الرجل متسقًا مع ذاته داخليًا وخارجيًا، وربما ذلك كان جزءا من أسباب تصديق أناس كثيرة له..
المهم أن الأوامر التي حولت حياة أولاده لجحيم، هي البعد عن كل شيء متعلق بالحداثة، بداية من الأجهزة وحتى الأدوية، ويقول "عمر بن لادن": «رغم أننا عشنا في جدة أكثر المدن حرارة ورطوبة، لم يسمح والدي لأمي بإشعال جهاز التبريد، كما لم يسمح لها باستخدام الثلاجة الموضوعة في المطبخ، وأعلن أن الحداثة أفسدت المعتقدات الإسلامية، وبالتالي فإن طعامنا يفسد إذا لم نتناوله في اليوم الذي نشتريه فيه، وعندما طلبت أمي حليبا لصغارها حرص على أن نستلمه مباشرة من البقرة الموجودة لتلك الغاية وحسب في مزرعة عائلته، وسمح لوالدتي بالطبخ على نار الفرن، كما أجاز استخدام الإنارة»
كما يكمل: «عانيت أنا وأشقائي من الربو، وتحملنا في حداثتنا نوبات خطيرة كثيرة، خاصة حين كنا نلعب في الصحراء الحارة، ونصح الطبيب أبي بالاحتفاظ بمؤونة من الفانتولين في متناول اليد للعلاج، وأن يجعل أولاده يستخدمون جهاز استنشاق، لكن أبي تصلب في رفضه إعطائنا عقاقير حديثة مهما بلغت خطورة مرضنا، لقد أفتى والدي في كل شيء، ونصحنا لعلاج الربو بأن نكسر قطعة من قرص عسل، ونتنشق عبر ثقوبه، ولم ينفع هذا كثيرًا لكن والدي لم يلن»
ويتابع «غالبًا ما كنت أشعر أنني أكافح للتنفس، وبرغم ذلك يتم تجاهل معاناتي ما لم يأت الموت قارعا بابي، ولما كبر "عبد الله" وسمع بالفانتولين اشترى منه مؤونته الخاصة خفية، وسمح لي باستخدام جهاز الاستنشاق، وفعلت ذلك عند بداية النوبة الثانية فتحولت حياتي، واكتشفت أمنا أننا نعصي أوامر أبينا، لكنها لم تبلغ والدنا، ولقد حاولنا في كل فرصة التحايل على أوامر أبي»
ولـ"عمر" قصة أخرى حين كان مع أبيه في أفغانستان قبل أن تنتقل إليهم العائلة، وقد أصيب بنوبة ربو لكن "أسامة بن لادن" أصر على موقفه، فيقول: «قبل الانتقال لتورا بورا انتابني نوبة ربو، وأصبحت أجد صعوبة في التنفس، وجاءني والدي بقرص النحل لكن أدويته المنزلية لم تشفني، ولم يستسلم والدي فغلى بصل وعصره في وعاء للطبخ، طالبا مني أن استنشق بخاره، ولم يجد، وأصبحت أتنفس بصعوبة أكثر، وأشار أخيرا بسكب بعض زيت الزيتون على جذور نار حارقة، وأن أحنى رأسي فوق الدخان واستنشق بأعمق ما يمكنني، ولم يؤد ذلك إلى نتيجة تلك حالتي وأنا ذاهب لجبال تورا بورا»
والوقوف عند تلك الوقائع يقودنا لهذا الرهان الذي كان يخوضه "أسامة بن لادن"، فالرجل يؤمن بأفكار تقاطع الحداثة كلية، هو يرى أن ما يُسمى «الطب النبوي» هو الحل، وفجأة يجد ابنه مُصابا وهنا يقع في الصراع هل يؤمن بأفكاره أم يلجأ للحداثة من أجل صحة ابنه، لكن «أسامة» يقرر الإيمان بأفكاره وعدم الخداع حتى لو أدى ذلك إلى الموت وهذا تناسق آخر بين الرجل وأفكاره.
أما النقطة الثانية التي تستحق الاهتمام فهو استثناء وسائل النقل الحديثة من مجمل فتاوي "أسامة بن لادن" ضد الحداثة، هل هذا يعود إلى ولعه الأساسي بالسيارات ذات الطراز الحديث كما أوضحنا سابقًا، أم أن ذلك يعود لفاعلية ذلك في العمليات الإرهابية التي يقوم فيها وكانت تستلزم ذلك.