إنه بن لادن.. الحكاية من أولها

وسط تاريخ الإرهاب الطويل يبقى هو علامة مميزة بين خفافيش الظلام، ليس لأنه مؤسس تنظيم عالمي انتهج العمليات الإرهابية في كثير من بقاع الأرض، وليس لأفكاره فهي ليست بجديدة بداية من "عبد الرحمن بن ملجم" وحتى الآن، الأسانيد كما هي، والحجج ومبررات القتل ثابتة لا تتحرك، ولكن لماذا هو مختلف كل هذا الاختلاف، هذا كان السؤال الذي ظللت أبحث عنه حتى وقعت على ما فسر لي هذا اللغز.

بسمت هادئ وطول فارع وخطوة متأنية، عرف العالم "أسامة بن لادن" ضمن القادة المنتصرين في أفغانستان وأحد المسئولين عن إخراج الاتحاد السوفيتي من تلك الأراضي الإسلامية، ذلك قبل أن يتحول «الشيخ» إلى دول أخرى ليؤسس تنظيمه "القاعدة"، ويبدأ في تنفيذ عمليات إرهابية توّجت بتفجير برجي التجارة العالمي وعُرفت بأحداث سبتمبر 2001 ليتغير بعدها خارطة العالم.

صفات كثيرة صنعت الصورة الذهنية لـ"أسامة بن لادن" عند الجماهير العربية، فهو ليس باحثا عن ثراء لأنه ينتمي لأحد أعرق الأسر السعودية، ويملك من المال الكثير الذي أنفقه على رجاله، ولا هو بصاحب الصوت العالي بل تميز بالصوت الرزين والكلمات القوية، بالإضافة إلى اتخاذه الولايات المتحدة الأمريكية عدوًا له في ظل عدوان واشنطن على العراق في 2003، ربما لذلك كله جعل كثيرين من الدول العربية يترحمون عليه حين تم قتله على أيدي القوات الأمريكية في 2011، بل ووقتها خشيت الولايات المتحدة الأمريكية من دفنه في قبر معلوم حتى لا يتحول إلى مزار.

ولكن الأمور أعقد من ذلك بكثير، وخلال الحلقات المقبلة سنتمكن من معرفة هذا الرجل أكثر، حياته وأفكاره من منظور عائلي بحت، هذا ما فعلته «جين ساسون» في كتابها الذي نغوص بين أوراقه «إنه بن لادن» وهو عبارة عن حوار مطول مع "نجوى بن لادن" زوجة تنظيم القاعدة الأولى، وابنه "عمر"، وصدر الكتاب ضمن إصدارات شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، وصدرت الطبعة الثانية 2011.

وتبدأ المحررة في البداية بسرد لتواريخ من ستتكلم عنه وفي البدء "أسامة بن لادن"، فقد ولد في فبراير 1957 في الرياض وهو الابن الثامن عشر من اثنين وعشرين ابنا والولد الأول لـ"عليا غانم" وهي سعودية استوطنت سورية وحصلت على الجنسية السورية، وقصة طلاق والدته سنعرفها ولكن الأهم الآن أن ننظر لأسامة بن لادن طفلًا لأن ذلك ما سينعكس عليه أبًا بعد ذلك.

يتمنى كثيرون مكانة "أسامة بن لادن"، ابن لأسرة ثرية تملك من النفوذ الكثير والأموال أكثر، لكن تلك صورة ناقصة، فوجوده بين اثنين وعشرين ابنًا جعله يتيمًا تقريبًا، وانفصال والدته عن أبيه زاد من غربته فعاش كتومًا صامتًا معظم الوقت.

ويمكن البدء مع قصة طلاق والدته والتي وقعت بعد عامين فقط من ولادة "أسامة بن لادن"، لتتزوج بعدها بـ"محمد الغطاس" الذي عاش في كنفه "أسامة"، ورغم طبيعة "أسامة" الكتومة وعدم البوح بأي شيء خاصة لأولاده، لكن في رحلته مع ابنه "عمر" إلى أفغانستان وأثناء إقامتهما في جبال تورا بورا قبل أن يصبح مقر لعائلة «الشيخ»..

ومع زيادة الصمت يروى "عمر بن لادن" أن في إحدى المرات النادرة، حكى له أبيه عن جده وجدته فيقول: «والدتي أخبرتني عن أحد أسباب عدم سعادتها في زواجها به، واستذكرت أن خدمه كانوا في العادة من الفتيان والرجال وامتلك تلك العادة المريعة في أن يطلب من زوجاته نزع حجابهن والوقوف في الصف، فيبعث وراء خدامه الذكور للنظر إلى وجوههن والإشارة إلى الزوجة الأكثر جمالًا، ويصاب الخدام الذكور طبعا بالذعر من أن جوابهم قد يغضب مستخدمهم أو حتى يغيظ الزوجات اللواتي يمتلكن بعض السلطة داخل المنزل..

ومن غير المُفاجئ أن زوجات جدك شعرن بالفداحة لمعاملتهن هذه المعاملة، لأن النساء أردن في تلك الأيام أن يتحجبن ووجدن من المهين استعراضهن كالغانيات، لكن جدك كان ملكا في منزله، وفعل الجميع ما طلب منهم أن يفعلوه، وقد يشرح هذا قيامه قبل بضع سنوات من وفاته باعتراف نادر بأن الأمر الوحيد الذي يندم عليه في حياته هو ظلم الإناث».

توفى "محمد بن لادن" عام 1967 إثر تحطم طائرة كان يستقلها، لكن حكاياته مع ابنه "أسامة بن لادن" لم تنته، وهو ما نبدأ به الحلقة المقبلة.