رئيس التحرير
عصام كامل

"نسيم".. قلب الأسد الذي أذلَّ الموساد (1)


هو اللواء "مُحمد أحمد نسيم"، أسد المخابرات المصرية، وعدو الموساد اللدود، وُلِد بحي الدرب الأحمر عام 1927، وعاش طفولته بمنزل مُتواضع خلف مسجد "المرداني" بالمغربلين، بعدها انتقل وعمره 15 عامًا، لحي المُنيرة بالسيدة زينب، حيث نشأ وترعرع، في عام 1949 التحق "مُحمد نسيم" بالمدرسة الحربية التي تخرج فيها بعد عامين، وعشق الرياضة فمارس الهوكي وكُرة القدم والمُلاكمة التي كانت تمنحه درجات منحة دراسية خاصة.


انتقل للعمل في جهاز المخابرات العامة أواخر 1956 ومطلع عام 1957، وهى الفترة التي تلت العدوان الثلاثي، والتي بدأت فيها عملية إعادة بناء المجتمع الأمني في مصر "الأجهزة الداخلية والخارجية"، بقيادة اللواء، "صلاح نصر".

بدأ "نسيم" العمل في القطاع العربي، وكانت مهمة هذا الجهاز هي جمع معلومات اجتماعية وسياسية واقتصادية من الوطن العربى، لتفيد القيادة السياسية في توجيه الخطاب السياسي إلى هذا القطاع.. وهذا القطاع كان من أنجح القطاعات، ويمكن تقدير هذا النجاح من خلال شعبية الرئيس "عبدالناصر" في الوطن العربي.

شارك "نسيم" في التخطيط للهجوم على ميناء إيلات، وزرع العميل "كيتشوك" مساعد المصور المشهور "Armani" في إسرائيل، وقاد عملية الحصول على معلومات عسكرية حساسة بخصوص صفقة مقاتلات فرنسية لإسرائيل 1961-1962، من نوع مستير وسوبر مستير وميراج.. وهو عم الفنانة "يسرا" أو "سيفـين محمد حافظ نسيم".

كان اسم الشهرة له في جهاز الموساد "الضبع الأسود"، انضم لتنظيم الضباط الأحرار، وشارك ضمن الصف الثانى من رجال الثورة، ومع بدء التفكير في إنشاء جهاز مخابرات مصري في أوائل 1954، قام "عبدالناصر" بتكليف أحد رجال الثورة، وهو "فتحي الديب"، بإنشاء لجنة تابعة للجيش تقوم بأعمال التجسس والتخابر.. ثم تطور الأمر، مع ازدياد الحاجة إلى جهاز مخابرات محترف على نفس النسق العالمى الذي ظهر في الحرب العالمية الثانية، والتي كان لأجهزة المخابرات الفضل الأول، إن لم يكن الوحيد، في إنهائها، لصالح الحلفاء.. وأسند "عبدالناصر" الأمر إلى "زكريا محيي الدين" و"على صبري".. ليخرج إلى الوجود جهاز المخابرات المصري.

وتمكن الضباط الذين كونوا لبنة الجهاز الأولى من جمع الكثير من المراجع وكتابات الخبراء، وعكفوا بصبر مدهش على دراستها والاستفادة منها.. وكان هذا الرعيل من ضباط القوات المسلحة الشبان ممن يمتلكون شجاعة وجسارة المقاتلين مع الذكاء الفطرى.. ومنهم على سبيل المثال: "فتحى الديب".. و"عبد المحسن فائق".. و"حسن بلبل".. و"عبد العزيز الطودي".. و"صلاح نصر"، وبطلنا البكباشي "محمد نسيم".

كان "نسيم" من ذلك الطراز من الرجال الذي يمتلك قلب أسد كما أطلق عليه رفاقه، وعقل الثعلب، وصبر الجمل، وإصرار الأفيال.. كان نادرًا بحق.

وعندما تولى اللواء "صلاح محمد نصر" رئاسة جهاز المخابرات العامة كان "محمد نسيم" أحد مديري العمليات بالجهاز، ورجل المهام الصعبة، ويكفي لبيان مدى سمعته الخرافية أن رئيس الجمهورية كان يتصل به مباشرة في عدد من العمليات فائقة الحساسية.

وفى بداية الستينيات كان جهاز المخابرات العامة مكتمل البناء.. وخاض العديد من العمليات الخطيرة في تاريخه ضد المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. وكانت أولى عمليات "محمد نسيم"؛ إعادة تأهيل العميل المصري الأشهر "رفعت الجمال" الشهير باسم "رأفت الهجان".

كان "رفعت الجمال" قد سافر إلى إسرائيل في منتصف الخمسينيات، واستقر بها بعد أن نجح في زرعه اللواء "عبد المحسن فائق"، المعروف باسم ”محسن ممتاز" في المسلسل الشهير الذي حكى قصته.. ومنذ أن تم زرعه في إسرائيل وحتى بداية الستينيات لم تستفد منه المخابرات المصرية شيئا إلا المعلومات التي أرسلها أثناء العدوان الثلاثي.. وللحق لم يكن هذا تقصيرًا من "رفعت الجمال".. أو معلمه "عبد المحسن فائق"، ولكن كانت الظروف أقوى منهما لضعف الإمكانيات التدريبية التي تلقاها "رفعت"، وكان جهاز المخابرات لم يزل وليدًا في ذلك الوقت.

وعلم المخابرات تطور تطورًا مدهشًا وسريعًا عبر السنوات الخمس التي أمضاها "رفعت" في إسرائيل، فكانت الحاجة ماسة إلى رجل مخابرات من طراز فذ يتمكن أولا من السيطرة على "رفعت الجمال" صاحب الشخصية شديدة العناد، ويقوم بملء الفراغ الذي تركه اللواء "عبد المحسن فائق" في أعماقه.. وذلك حتى يتمكن من إقناعه بمواصلة التدريب والعمل.

وكان ضابط الحالة الذي تولى عملية "الجمال" هو "عبد العزيز الطودي"، الشهير باسم ”عزيز الجبالي”.. وبعد دراسة عميقة لشخصية "رفعت"، ومع استحالة عودة اللواء "عبد المحسن فائق" من مقر عمله في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، لم يجد "عبد العزيز الطودي" إلا "محمد نسيم" المعروف بصرامته وشخصيته القوية ونبوغه الفائق، وهو النموذج المماثل ل"عبد المحسن فائق".

وتم اللقاء بين "قلب الأسد" و"رفعت".. ولم تمض ساعات على لقائهما إلا وكان "نسيم" قد استقر في أعماق "الجمال"، وهو بالمناسبة الشهير باسم "نديم هاشم" في مسلسل "رأفت الهجان".. وقام بدوره باقتدار الفنان "نبيل الحلفاوى" في واحد من أعظم أدواره على الإطلاق خاصة أن "الحلفاوى" كان يشبه "نسيم" في الشكل والأداء بدرجة مذهلة.

وكان "رفعت" قد تيقن، من خلال معايشته للإسرائيليين، من التقدم المدهش في مجال الأمن.. وكان في أمس الحاجة لأن يرى تفوق بلاده.. وقد كان.. تمكن "نسيم" عبر التدريبات المكثفة من إقناع "رفعت" بمدى التقدم المدهش الذي أحرزه المصريون على الإسرائيليين.

وبعد أسبوعين من التدريب الشاق خرج "رفعت الجمال" في مستوى ضابط حالة، وهو المستوى الأعلى لأى عميل مدنى في المخابرات.. لتكتسب مصر كمًّا رهيبًا من المعلومات بالغة السرية التي أرسلها "رفعت"، لا سيما بعد تمكنه من بسط علاقاته ونفوذه في مجتمع تل أبيب، بتعليمات "نسيم"، عبر شركة "سي تورز"، والمعروفة باسم "ماجى تورز"، وفى قلب تل أبيب واصل نجم المجتمع الإسرائيلي "جاك بيتون"، وهو الاسم المستعار ل"رفعت الجمال"، والذي عرف في المسلسل بـ "دافيد شارل سمحون".. وبلغت علاقاته حدًّا جعله صديقًا شخصيًّا للجنرال "موشى ديان" و"جولدا مائير" رئيسة الوزراء الشهيرة.. كل هذا بفضل نبوغ "رفعت".. وبراعة معلمه الفذ "محمد نسيم".

وكانت نكسة 67 مدمرة في آثارها إلى حد رهيب على العالم العربي أجمع.. إلا أنها كانت ذات تأثير مختلف على الأسود الرابضة في عرين المخابرات العامة.
وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية