رئيس التحرير
عصام كامل

بشارة واكيم.. قبطي حفظ القرآن الكريم


ولد "بشارة واكيم" في ٥ مارس عام ١٨٩٠، وهو مصري قبطي من قلب القاهرة، وليس لبنانيًّا أو سوريًّا، على الرغم من أنه كان يتحدث لهجتهم بطلاقة شديدة، مما جعل غالبية المشاهدين وخاصة من الأجيال التي أعقبت وفاته، تعتقد أنه من إحدى دول الشام.


اسمه الأصلي بشارة واقيم.. وكان أول ظهور له على الشاشة الفضية عام ١٩٢٣، في فيلم "برسوم يبحث عن وظيفة"، لينقطع عن السينما ٥ سنوات لانشغاله بإعداد فرقته المسرحية، ثم عاد للسينما عام ١٩٢٨ بفيلم "تحت سماء مصر"، لينقطع عن السينما مرة أخرى لمدة ٦ سنوات ليعود عام ١٩٣٤ بفيلم "ابن الشعب".. ثم واظب على السينما بفيلم، على الأقل، كل سنة، حتى توفي.

أفلامه زادت على الـ١٠٠ فيلم، أنجزها في نحو ٢٥ عامًا فقط، حيث لم يمهله الزمن عمرًا أكثر من ٥٩ عامًا، انقضت معظمها داخل استديوهات السينما وعلى مسارح القاهرة، لا سيما بعدما أعلن امتناعه عن الزواج.

وللزواج في حياته أكثر من قصة، أقربها للحقيقة أنه كان يبحث عن قصة حب حقيقية تنتشله من الصورة القاتمة التي اتخذها عن المرأة والمجتمع، ففي شبابه أحب إحدى جاراته بحي الفجالة، وكاد أن يتزوجها بعد تخرجه بكلية الحقوق، ولكن عندما ترك العمل بالمحاماة، وانخرط في فرقة "عبد الرحمن رشدي" المسرحية، في بداية حياته، تدخل والد حبيبته، وأجبرها على الزواج من غيره، لينقلب حبه للجنس الآخر إلى عداوة ظهرت في تصريحاته الصادمة عنهن بوسائل الإعلام في نهاية حياته، وقد أسهم في ذلك قصة حبه الثانية ل"ماري منيب"، والتي كانت من طرف واحد، فعندما صارحها بحبه صدمته بأنها تحب غيره، وتستعد للزواج منه.

وهنا ألقى بمشاعره خلف ظهره، وانشغل بالقراءة وتحصيل علم اللغة، بل وحفظ القرآن الكريم، حتى يساعده على الإلمام باللغة لعشقه كتابة الشعر الموزون والمقفى.

كما كانت له إسهامات كثيرة في تعريب المسرحيات، والقصص الفرنسية إلى العربية، خصوصًا أنه خريج مدرسة الفرير بباب اللوق.

ومع إمكانات "بشارة" الشعرية، رفض أن يصدر ديوانًا يضم أشعاره التي اعتبرها ملكًا خاصًّا به، وكأنه يعاند الزمن الذي وقف أمامه بالمرصاد في حبه وخططه لمستقبله، فبعد حصوله على ليسانس الحقوق عام ١٩١٧، كان يجب أن يكمل تعليمه في فرنسا كما كان يخطط عندما التحق بالجامعة، ولكن ظروف الحرب العالمية الأولى أنهت حلم الجامعة، أما زواج حبيبته من غيره، فأغلق أمامه مشاعر الحب للجنس الآخر، فدائمًا ما كان يردد أن والدته كانت تقول له: "روح إلهي يبتليك بجوازة تهد حيلك"، ولذلك لم يبحث عن الارتباط بقية عمره.

ومع أنه بدأ حياته الفنية في الأدوار التراجيدية بفرقة "جورج أبيض"، فإنه عندما انتقل لمسرح "يوسف وهبي"، ثم "منيرة المهدية"، تألق في الأدوار الكوميدية لتكون خطه الفني بعد ذلك، بل كانت السبب في قيامه بتكوين فرقته المسرحية الخاصة بعد اكتسابه الشهرة، وذلك كله في ظل اعتراض عائلته على عمله بالفن، وترك المحاماة.

وتألق مسرحيًا، وحقق شهرة كبيرة بعد مسرحيات "حسن ومرقص وكوهين"، و"قسمتي"، و"الدنيا على كف عفريت".

ومن المسرح انطلق إلى السينما والانتشار الأوسع، وكون مع نجيب الريحاني ثنائيا فنيا متألقا، وقدما العديد من الأفلام الخالدة مثل: "لعبة الست"، و"ليلي بنت الفقراء"، و"قلبي دليلي"، و"غرام وانتقام".

ومع العمل بالسينما والمسرح ترك بيت والده وقضى بقية حياته في بيت شقيقته التي توفي زوجها، وساعدها في تربية أبنائها، واعتبرهم أبناءه، حتى أنه أوصى بكل ثروته إليهم بعد وفاته.

ولارتباط "بشارة" بالمسرح والقراءة كانت أول انتكاسة مرضية له على المسرح، وهو يقف بجانب "نجيب الريحاني"، في "مسرحية "الدنيا لما تضحك"، وأصيب بالشلل المؤقت، ولم يلتزم بملازمة الفراش، كما نصحه الطبيب، وظل يذهب للمسرح يوميًا، حتى تماثل للشفاء، ولكن بعد ذلك بفترة قصيرة ودع الحياة، وفِي يديه أوراق مسرحية جديدة لم يكتب له أن يؤديها على المسرح.

وبعد فيلم "ابن الشعب" لم يبتعد عن السينما، وكان يقدم في العام الواحد أكثر من فيلم حتى عام ١٩٤٨ الذي قدم خلاله آخر أعماله السينمائية، والغريب أنه حمل اسم "خلود"، فهل كان يشعر بأنه آخر أعماله الفنية؟!
الجريدة الرسمية