رئيس التحرير
عصام كامل

وصايا الشهيد "فرج فودة"


خلال محاكمة قاتل المفكر الشجاع فرج فودة، سأله القاضي: لماذا أطلقت عليه النار؟
** أجاب: لأنه كافر

* كيف حكمت عليه بالكفر؟.. وهل قرأت كتبه؟

** قال: لا.. أنا لا أقرأ.. ولا أكتب

ومن أسف أننا لم نستوعب درس "فرج فودة"، ولم نتوقف عند وصاياه حول ضرورة تحرير العقل الجماعي من الخرافات التي علقت به باسم الدين، وهي أبعد ما تكون عن صحيح الدين. اغتيل "فرج فودة" في مثل هذه الأيام من شهر يونيو عام 1992، على يد أعضاء من الجماعات الإسلامية، التي أعلنت بفخر عن أنها خلصت العالم الإسلامي، من واحد من أبرز العلمانيين (الكفار).

كان "فودة" مقاتلا صلبا، لم يخشَ التهديد بالقتل.. ولا حملات التكفير التي كانت تصدر عن علماء ينتمون إلى المؤسسة الدينية الشرعية، ورفض أن يغازل السلفيين الذين كانوا يستأثرون بعقول قطاع واسع من المصريين، وكادوا أن يحققوا نجاحا واسعا في تغيير عاداتهم وتقاليدهم؛ لما عرف عنهم من سماحة في التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى، والآراء المخالفة، بما كان يميز مصر عن معظم الدول العربية الأخرى.

كان "فودة" يرى أن مواجهة الإرهاب لن تتحقق عن طريق الأمن وحده، وانما من خلال جهود شاقة يجب أن تقوم بها المؤسسات الدينية، والثقافية، والتعليمية، من أجل تخليص عقول المصريين من الخرافات التي تنشرها جماعات متعصبة تسعى إلى إقامة دولة الخلافة على حساب الأوطان، والتي تطبق الشريعة الإسلامية كما يفهمونها في كل الدول العربية.

أسس "فرج فودة" الجمعية المصرية للتنوير، واعتبر أن الاستنارة معركته الأساسية، وأقبل آلاف الشباب على الانضمام إليها، ما حمسه إلى طلب التصريح بإقامة حزب يضم المصريين، سواء اختلفوا في الأديان، أو الأفكار، واتفقوا على أمر واحد.. فصل الدين عن الدولة، بما يحقق المواطنة على أرض مصر لجميع المصريين.

تعرض "فودة" للهجوم الشديد من جبهة علماء الأزهر، التي أصدرت بيانا بتكفيره، لأنه يسعى إلى هدم ثوابت الدين الحنيف، وانطلقت، عقب هذا البيان، مقالات الصحف التي تشكك في إيمان الرجل، وتدعو إلى تطبيق الحد عليه..

ورغم ذلك استمر في حملته ومطالبة المؤسسة الدينية بتخليص المناهج من الأفكار التي تتعارض مع حقائق العلم، والتوقف عن الأساليب العتيقة في التعليم عن طريق الحفظ والتلقين.. بدلا من الحوار والاعتماد على العقل لا النقل.
ودفع المفكر الوطني الشجاع "فرج فودة" حياته ثمنا للدفاع عن أفكاره الرائعة، وتصديه لتجار الدين.
الجريدة الرسمية